يوميات أسبوع 31

الجمعة: باغتتنى ابتهالات دينية عذبة حين اقتربت من المذياع وأنا في طريقى لإعداد شاى الصباح. في أوقات معينة تتحول إذاعة القرآن الكريم المصرية إلى عاصفة أنغام لتواشيح مفعمة بعطر الماضى، تؤديها حناجر سماوية. لا أعرف مواقيتها بالضبط، وإن كنت ألاحظها دائما قبل رفع الأذان. لا أستطيع سوى أن أقول إن إذاعة القرآن المصرية تمثل آخر ملمح لمصر القديمة كما عرفها جيلى! مصر الطيبة المتسامحة المحبة للأناشيد وحب آل البيت والمساجد التاريخية، والناس الطيبون يمارسون حياتهم اليومية في أحيائهم القديمة بين أنفاس الأولياء.

لشد ما أتمنى لو تقتصر إذاعة القرآن على تلاوة القرآن وقطوف السيرة والمدائح النبوية والتواشيح المعطرة، وتمتنع تماما عن الخطب الحماسية المنفرة، وطبعا طبعا لا يقحمون السياسة، ويتركون الدنيا لأهل الدنيا يتصارعون عليها.

ليتهم يعلمون أنهم نقطة العطر الأخيرة في القارورة الجميلة الثمينة، وآخر ذكرى بقيت لنا من مصرنا الطيبة! شبعنا من الخطب والصراخ والشيوخ الغاضبين ونتوق بكل سوقية حاضرنا أن تظلوا الواحة والنغم والشجن الشرقى والألحان السماوية.

■ ■ ■

السبت: دق جرس الباب ففتحته، فبالله عليكم هل ارتكبت جريمة؟ في اللحظة ذاتها طرقعت كحة من الشاب الواقف أمامى في وجهى مباشرة. حاولت التراجع ولكن بعد فوات الأوان. وأعتقد أن معظمكم- مهما اتخذ من احتياطات- قد مر بالموقف نفسه.

التفسير الوحيد لعدم إصابة المصريين بوباء الكورونا رغم قلة الاكتراث بقواعد السلامة أنه لا يوجد كورونا أصلا. هذه هي الطريقة الوحيدة لفهم الأمور في مصر. فبصراحة، هذه الطريقة الهزلية لإسقاط الكمامة على ذقونهم وعدم وضعها فوق الأنف والفم كما هو مفترض، واعتقادهم الدفين أنهم يخرجون بها فقط تجنبا للغرامة، كلها أشياء من المنطقى أن تؤدى إلى كارثة.

■ ■ ■

الأحد: بالنظر إلى فيلم TheMirrorHasTwoFaces 1996 هل إحساس المرأة أنها غير جميلة وغير جذابة يكون له على نفسيتها هذا الأثر المدمر الذي جسدته لنا بربارا سترسلند في هذا الفيلم؟ هل تنكسر المرأة لمجرد أنها لم تولد جميلة؟ هل تشعر أنها غير مستحقة للحب لمجرد أن الرجال لا يستديرون عند مرروها؟ وإذا وقعت في الحب بعد ذلك تسمح للرجل بإهانتها واستغلالها بسبب تدنى تقديرها للذات؟

آه أيتها الحمقاوات انظرن لنا. ها نحن ذا أمامكم- معشر الرجال المصريون- زومبى متحرك! كرش كالبالونة! صلعة تلمع كالصابون! ملامح متنافرة وعينان غبيتان ولغد، وجسد يشبه في تضاريسه تل المقطم. والأسوأ من كل هذا مسامنا تنضح بالعرق! ومع ذلك تروننا نحظى بكل السلام النفسى والرضا عن الذات، ونعتبر أنفسنا فاتنين، ونتوقع أن تُصرغانيات أوروبا لمجرد رؤية سحرنا الشرقى! وبالمرة يعطوننا يوروهات خضراوات فوق البيعة!.

والخلاصة تعلمن منا- معشر النساء- كيف تكون الثقة بالنفس خصوصا حين لا يكون لها أي أساس مثلنا!.

الإثنين: نحن كائنات مسكينة جدا، إحساسنا بالصحة والمرض، والسرور والشقاء، والرضا والسخط، والأمن والخطر، كلها أشياء تسير على حد الشعرة. وتنقلب دولة باطننا تماما انعكاسا لأحداث حياتنا الخارجية التى لا حيلة لنا فيها معظم الأوقات.

ولعل الله تعالى خلقنا بهذا الضعف، وذاك التقلب، كى نلجأ إليه دائما. فالإنسان إذا ارتفع عنه الخطر طغى وتجبر.

■ ■ ■

الثلاثاء: ما زال يدهشنى إلى أقصى حد التفاخر بين الأفراد والشعوب. أقول ذلك بمثابة ردود فعل صفحات التواصل الاجتماعى ردا على كلام مسىء لسيدة كويتية. لن أقول الكلام المعاد بأن الشعب الكويتى أشقاؤنا فى الإنسانية والعروبة والدين! أو أن كل شعب فيه الطالح والصالح والوقح والمؤدب! ولكنى أقول فقط (كبروا دماغكم)! أحقا ما زال على هذه الحياة المحيرة من يغضب لنفسه! أبعد كل ما شاهدناه من عبث الحياة الإنسانية وتقلب أحوالها وهشاشتنا أمام القوى العاتية هناك من يريد أن يثبت لغيره أنه الأفضل! أو حتى يشعر برغبة فى التفوق؟ أيتها الكائنات المضحكة التى ستلتحق بالتراب قريبا، ولا يبقى منها سوى جمجمة ذات فراغ فى موضع العينين وضحكة ماجنة ساخرة: «دعكم من الهراء وكبروا دماغكم».

■ ■ ■

الأربعاء: هل سمع أحدكم عن الفقيه أحمد بك إبراهيم؟

أنا شخصيا لم أعرفه إلا من مقال قديم جدا للشيخ أبى زهرة حين نعاه عند موته. وأدهشنى وصفه له بأنه أعظم فقيه لم يأت مثله منذ وفاة الفقيه الدمشقى ابن عابدين.

تملكنى الفضول فتبين لى أنه ولد عام ١٨٧٤ وتوفى رحمه الله عام ١٩٤٥، وكان رئيس قسم الشريعة بكلية حقوق القاهرة وأستاذاً للشيخ أبى زهرة. وله نحو ثلاثين مؤلفًا قيمًا.

شهادة عظيمة من فقيه كبير مثل أبى زهرة، ولكنها وضعتنى أمام حقيقة محزنة: لماذا يهمل المصريون تراث علمائهم إذا كانوا بهذه المكانة؟ أليس واردا أن تكون آراء سديدة؟ ووسط كل البرامج الدينية السقيمة والرسائل الجامعية لكليات الشريعة، لماذا لا يتخصص بعض الباحثين فى تتبع اجتهادات هذا الفقيه المنسى لننتفع بها؟

■ ■ ■

الخميس: كما هو واضح لا يكف الصبيان عن التنمر وإيقاع الأذى بالأطفال الأضعف منهم، سواء عاشوا فى قرى مصر أو فى جنات إسبانيا. نفس العدوانية والتنمر والقرف، ألف لعنة على الصبيان جميعًا. فى مصر تُحل هذه المشاكل بمنتهى السهولة. عندما تعرف الأم بالخبر، فإنها تمتشق درعها وترفع سيفها وتحمل رمحها وتذهب إلى مدام سعدية، مديرة المدرسة الابتدائية، والتى تأكل الأطفال بعد وضعهم فى الكوسة المحشية، وتقزقز رؤوسهم. بينما فى فيلم إسبانى، مديرة المدرسة أصلا صاروخ تصلح فتاة إعلانات تتمايل فى غنج، عندما عرفت الخبر كل ما استطاعت قوله إنها لا تستطيع طردهم ولا حتى معاقبتهم! تخيلوا الهبل!

فتحيةً لمدام سعدية، وكل مدام سعدية، القادرات على الحسم وأكل الأطفال المشاغبين فى لمحة بصر.