يوميات أسبوع 29

الجمعة: حنين الطبقات الميسورة إلى نمط حياتها بمصر حين تهاجر إلى أمريكا أو أوروبا، هو في الحقيقة حسرة على الخدمات شبه المجانية التي يقدمها لهم فقراء مصر. تجدها تبكى على البواب الذي كان ينظف سيارتها كل صباح قبل أن تنزل للعمل. تتأسف على «أم خالد» التي تنظف بيتها بسعر زهيد! تلطم لأنه لا يوجد (ديليفرى) يحمل مشترواتها إلى المنزل بمجرد مكالمة تليفونية للمتجر الفلانى. هذه الخدمات- بفرض وجودها- باهظة الثمن في الغرب، لأن الإنسان غالٍ هناك ومُقدّر، ومجهوده لا بد أن يترجم إلى مال يكفى متطلباته الأساسية بعكس ما يحدث في مصر.

■ ■ ■

السبت: نحن في أيام خير وبركة، كلنا نستعطف الله أن يرحمنا ويعفو عنا. ونحن كذلك في أيام خطر، لا أحد يدرى هل سيصاب بالوباء الذي لا لقاح منه ولا علاج، أم لا؟ وإذا أصيب به هل سيظل بين الأحياء؟ لا المال يقدر أن يحميك ولا السلطة ولا أعظم الأطباء. فنحن مضطرون كل الاضطرار إلى الله.

أقول ذلك كمقدمة لهذا المشهد الذي يدمى القلب للدكتورة (ليلى سويف)، التي افترشت الطريق أمام سجن ابنها، فقط لكى تتواصل معه وتطمئن عليه وتعطيه بعض الملابس والمطهرات. أناشد السلطات أن تتعامل معها كأم، لا كمعارضة سياسية! هي اليوم أم لا أكثر ولا أقل! والرحمة بالأم من خصال المروءة والثقة في النفس. وهذا المشهد يضر الجميع ولا يفيد أحدا.

من أجل الله وليس من أجل البشر، تعاملوا معها كأم! مجرد أم تريد أن تتواصل مع فلذة كبدها، فما الذي ستخسرونه لو تم التواصل؟ ارأفوا بهذه السيدة المسكينة التي أنهكتها الأيام وتوالى المصائب حتى يوفق الله سعيكم في هذا الأيام العصيبة.

■ ■ ■

الأحد: الرائع روبرت ريدفورد الذي لم يخذلنى قط، يمثل في هذا الفيلم (Legal Eagles) دور مساعد النائب العام الذي ينتظره مستقبل مشرق. عندما كان يحقق مع فتاة شقراء، تبدو مريبة بشكل ما، وطيلة الفيلم تحاول إغواءه، وهو لا يستجيب لها. حتى جاءت إلى منزله زاعمة أن خطرا يهددها. وهكذا سمح لها بالمبيت في بيته، وذهب إلى سريره لينام! لتتسلل إلى جواره فتوقظه وتغويه.

■ ■ ■

في الصباح التالى، وبينما هما راقدان في الفراش إذا بالشرطة تقتحم غرفته، وتتهمها بجريمة قتل وتقبض عليه هو الآخر. وهكذا ضاع مستقبله! وتم فصله عن العمل!

لم أنته من مشاهدة الفيلم بعد، ولكنى أشك أنها هي التي دبرت له المكيدة!

عزيزى الرجل: إذا تصورت أن امرأة فاتنة وقعت في غرامك، وتريد أن تهبك جسدها مجانا فأنت رجل «أهبل»! وللعلم لا يقع في الفضائح إلا الذين لا خبرة لهم مع النساء، ولا يعرف أنهن لا يهبن أجسادهن مجانا. غالبا هناك مصيبة قادمة وراءها فاحترم نفسك من البداية.

الإثنين: كنت بصحة جيدة بالأمس عندما ذهبت إلى فراشى، ثم استيقظت مريضًا منهكًا. فى بضع ساعات حدث شىء شرير فى جسدى. وشرعت أتعجب: فى العافية أشعر أننى أملك كل العالم، تتغلب علىّ (الأنا) وتنازعنى الغرائز البدائية. أما فى المرض فنفقد طعم العافية، وتخفت الغرائز وتنطفئ كل الألوان من حولنا! فبالله عليكم ما قيمة حياة تتبدل فيها أحوالنا من كل شىء إلى لا شىء بهذه السرعة!؟

■ ■ ■

الثلاثاء: تنتابنى مشاعر غير مريحة حين أقتل تجمعات النمل إذا رأيتها فى بيتى. أرمق تدافعه وذعره من أجل النجاة، وأتخيل حيرته -بحجمه الضئيل- لا يتصور وجود مخلوق عملاق مثلى! يوجعنى قلبى بحق، حين أفكر أنه لا يدرى أن ذلك الكائن الذى يسلب منه الحياة هو فى الحقيقة مخلوق ضعيف مثله! وهو أيضًا حريص على الحياة! وتحيره نوازل الحياة بالضبط كما تحيره.

■ ■ ■

الأربعاء: تقرّب إلى الله كى تحصل على سلامك النفسى وسكينتك الروحية وخلاصك الأخروى. ولا تتعبد لتتفوق على غيرك من العصاة! لا تكرر مأساة إبليس، الذى عبد الله ملايين السنين بقصد الأنا والكبرياء، ثم ماذا كانت النتيجة غير الهلاك واللعن الأبدى؟

■ ■ ■

الخميس: مشهد هزيمة هتلر وانتحاره فى الفيلم المشهور (سقوط برلين) مؤثرة جدًا. معروف أن الخلائق تنقسم إلى:

- غلابة (مثلى ومثلكم) وهؤلاء مسالمون بالفطرة، لأنهم ليسوا بمحاربين أصلًا. وتندرج تحت هذه الطائفة معظم الخلائق (الغزلان- الأرانب- الفراخ- القطط- العصافير- معظم البشر وحتى الكلاب، فيكفى شلوت فى المؤخرة لتأخذ ذيلها بين قدميها وترحل عاوية).

- وهناك طائفة قليلة العدد فى الخلائق، هى بطبعها محاربون أشداء. الأسود- النمور- النسور- الدببة- وقليل جدًا من البشر. كان هتلر وقادته العسكريون من هذه النوعية التى تؤمن بالرايخ الثالث، وقانون البقاء للأقوى، بل ويعتبرون الشفقة على الضعفاء خيانة لقانون الطبيعة.

لكن التراجيديا تنشأ حينما يصطدم المحاربون الأشداء ببعضهم البعض، أسد غاضب فى مواجهة أسد غاضب! سوف يزأر الأسدان ويلتحمان لا محالة، وسيتمرغان على الأرض فى مشهد افتراس بالغ الوحشية حتى ينجلى غبار المعركة عن فوز أحدهما وانسحاب الآخر. الفارق بين الأسود والبشر أن الأسد يترك فرصة لغريمه المهزوم أن ينسحب، ولا يحاول أن يجهز عليه، ربما احترامًا لوحدتهما فى النوع. أما البشر فليس للمهزوم إلا قطع الرقاب. ولذلك أحترم انتحار هتلر بدلًا من الاستسلام للروس ومرمطة تاريخه كله. لم يفعل مثل بعض القادة العرب الذين استأسدوا على شعوبهم، حتى إذا دارت الدنيا عليهم اختبأوا. إذا كنت أسدًا فحارب حتى النهاية. أما إذا كنت غلبانًا مثلى -ومثلك- فدع الدنيا للأقوياء يتقاتلون عليها، واذهب معى إلى الحدائق، فتلك والله هى جنة الدنيا، لا يعرفها إلا من كتب الله له السعادة.