يوميات أسبوع 28

الجمعة: قرأت مقالًا يطلب من الحائض ألا تكف عن الصوم والصلاة بزعم أن القرآن الكريم لم يطلب ذلك! والقرآن بالفعل لم ينه الحائض عن الصلاة والصوم، ولكن السنة العملية المتواترة فعلت عبر تاريخ الإسلام كله. فالحيض يحدث للنساء من زمن النبوة! فهذه كعدد ركعات العصر والمغرب، نقلتها أمة عن أمة يستحيل تواطؤهم على الكذب. لذلك فإن السنة العملية المتواترة واجبة الأتباع ولا يجب أن نشكك في حجيتها أبدا.

■ ■ ■

السبت: شعرت بالاستياء مما قاله الإعلامى «عمرو أديب» بخصوص شكوى الحجر الصحى للعائدين من الخارج في سكن الطلبة التابع للجامعات! خصوصا حين قال (أديكم عرفتم الوضع. اللى مش عاجبه ما يجيش!).

كان من المفروض أن يوجّه القائمين على سكن الطلبة لمزيد من العناية والصيانة لهذه البيوت بدلا من أن يعايرهم بفقرهم! هؤلاء ما خرجوا من أوطانهم وهم سعداء بالغربة، ولكن بحثا عن حياة كريمة. والكل يعلم أن تحويلات العاملين بالخارج من دعائم الاقتصاد المصرى. وفى كل الأحوال مصر وطنهم الذي لا وطن لهم غيره. وقد أنفقت الدولة تريليونات الجنيهات على مشاريع كبرى، ولا أظن أن بضعة ملايين لتحسين أحوال هذه الدور، ويستفيد منها الطلبة حين عودتهم للدراسة، بالأمر الذي يعوق بلدا كبيرا كمصر. وليس لائقا أن تثير النعرات بين المصريين في الخارج والداخل، أو تعاير فقيرا بفقره لأنه لا يستطيع تحمل نفقات الفنادق الباهظة.

■ ■ ■

الأحد: عضو مجلس النواب الذي تهجم على مستشفى شربين وأهان الأطباء واتهم بالإهمال فعل ذلك في أسوأ وقت ممكن. في الوقت الذي يشيد العالم كله بتضحيات الأطباء بحياتهم في سبيل القيام بواجبهم المقدس وترتفع أصوات العقلاء كى تحافظ على هذه الثروة القومية الإنسانية!

أود أن أوضح للجميع أن الأطباء حاليا يعملون لوجه الله والإنسانية فقط، وليس لأى دافع مادى! أنتم لا تتصورون مدى انحطاط رواتب الأطباء في القطاع الصحى، فهل يُعقل أن يتلقوا الإهانة أيضا وبأى منطق؟ الحياة لا تُقدر بأى مال– وهم يضحون بحياتهم- فما بالكم إذا لم يكن هناك مال أيضا!

■ ■ ■

الإثنين: بمناسبة الجدال الشديد على مواقع الاتصال الاجتماعى بشأن نشر صور لزوجة بدت سعيدة وموافقة على زواج زوجها بامرأة أخرى. أظن أن أهم شىء شدّد الإسلام عليه هو أنه «لا جنس بلا تبعات»، حتى يجد الطفل الناتج عن هذه العلاقة أبا يُنسب إليه وينفق عليه ويتحمل تبعاته! هذه هي الأولوية الكبرى في الإسلام.

أما ما عدا ذلك، فيتُرك للمجتمع في كل عصر أن ينظم شؤونه حسب أعرافه، والعرف من الدين، قال تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ). والدين لم يحبذ التعدد، وإن أباحه بشرط العدل، وجعل الزواج بواحدة أقرب إلى العدل وعدم المظالم.

■ ■ ■

الثلاثاء: الروح أمانة، استعرتها من خالقها، وارتديتها مدة عمرك، وستردها حتمًا إلى الخالق. لذلك هوّن عليك أيها الخائف، الموت حق وسيحدث طال الزمان أم قصر. أنت أيها الجسد خائف لأنك ستتحلل وتندثر! ولكن ضع نفسك مكان روحك التى يعود أصلها إلى نفخة الخالق. لا شك أنها -فى عودتها إليه- سعيدة!

■ ■ ■

الأربعاء: صار حالى، كلما أنهكتنى الأفكار، مثل «عامر وجدى»، بطل رواية ميرامار لنجيب محفوظ، كلما أنهكتنى الأفكار أعود مثله إلى القرآن الكريم، مرتلًا سورة «الرحمن» الحبيبة المقربة إلى قلبى وقلبه، تهدهد مخاوفى مثلما هدهدت مخاوفه، وتطفئ حيرتى مثلما أطفأت حيرته.

■ ■ ■

الخميس: تتميز الأفلام الفرنسية، خصوصًا القديمة نسبيًا كهذا الفيلم (Noce blanche 1989)، بطابع حميم، يهتم بدانتيلا التفاصيل الإنسانية، ويتم تناول ذلك بهدوء ونعومة، تفتقدها السينما الأمريكية اللاهثة والمصطنعة! هذه المرة كان المعلم رجلًا فى نهاية الأربعينات وقد خط الشيب شعره، أما هى فكانت طالبة مهملة كثيرة الغياب، حتى ضج منها معلمو المدرسة بأسرها. وتدخلت الصدفة، أو لعله القدر، فى التحضير لحالة من الاهتمام الإنسانى من جانبه تجاهها، بعد أن طردها من الفصل، ثم وجدها مغشيًا عليها فى الطريق.

حتى هذه اللحظة كان المعلم رجلًا تربويًا سعيدًا فى زواجه، تسير أموره بطريقة مستقرة، وبالتأكيد لم يكن يعانى من أى مراهقة متأخرة. لكن الشفقة جعلته يصطحبها إلى منزلها، حيث تقيم وحيدة، ولم يطاوعه قلبه أن يتركها ويمضى. بالتدريج، وكما يحدث دائمًا بين الذكر والأنثى، مهما كانت الفوارق بينهما وُلد الاهتمام! صار ينتظر قدومها الفصل بلهفة! ويشجعها إذا أحسنت! ويدافع عنها حين أرادت إدارة المدرسة طردها! ويتعهد بمتابعة تقدمها فى الدراسة! ويتطوع بالتدريس لها. وكان الحب قادمًا لا محالة، رغم عدم التكافؤ بينهما من جميع النواحى.

كانت البنت تبدو كحورية، وتمنحه جسدها النضر المرمرى بمنتهى السهولة! ولم يعد ممكنًا أن يقاوم فتنتها.

وبدأت زوجته تشعر بحيرته وشروده! ولم تكن المنافسة عادلة تحت أى وجه! هذه فى نضارة شبابها وتفجر أنوثتها، والأخرى ناضبة قد أنهكتها الأيام وذهبت بروائها. هذه لذة المغامرة ودهشة المفاجأة، وتلك أيام قديمة مكررة. هذه نغمة جديدة صادحة والأخرى نغمة رتيبة معادة! كل ذلك ليس عادلًا بالتأكيد، ولكن متى كانت الحياة عادلة؟ فهل صدق معارضو الاختلاط حينما قالوا إنه باب شر كبير ينبغى الاحتياط منه وإغلاقه بالضبة والمفتاح؟

■ ■ ■

على كل حال، فقد كانت العدالة قادمة عندما تنصرف الفتاة، وستنصرف حتمًا لا محالة عن رجل فى سن أبيها، وستتعلق بشاب فى عمر ربيعها، فتتحول حياة الكهل إلى فوضى عارمة، ثم ترحل وترحل معها السعادة، ويبقى هو وحيدًا بتجاعيد وجه تزداد كل لحظة، وتجربة دامية ما كان أغناه عن الاكتواء بلهيبها.