يوميات أسبوع 27

الجمعة: تأثرت جدًا عندما رأيت هذا المشهد من فيلم: طفل في العاشرة يمسح زجاج سيارة في محطة وقود. السيارة سوداء فارهة يجلس على مقعدها الخلفى جنرال كبير يقرأ الجريدة. وبجوارها يقف العسكرى الحارس. وفى لحظة اقتربت دراجة نارية يقودها ملثمان ينتميان لجماعة معارضة إرهابية. وبدا واضحا أنهم على وشك إطلاق الرصاص. تصرف الحارس بمحض فطرته. كان لديه ضابط كبير يجلس في المقعد الخلفى هو مسؤول عن حمايته، وكان هناك هذا الطفل الصغير الذي لم يبدأ حياته بعد. وبدون أن يفكر جعل من نفسه حاجزا أمام الطفل. وانطلق وابل الرصاص. نجا الطفل لم يمسه سوء! ونجا الضابط الكبير رغم إصابته بعدة طلقات! أما الحارس فقد مات.

ذهب الطفل لجنازته، وأخبر أم الحارس بما حدث. لم تتركه حتى استخلصت منه وعدا أن يحيا حياة نافعة، فقط كى لا تذهب دماء ابنها هدرا. وقد كان. صار الطفل الآن رجلا كبيرا، لم يصبح أينشتين ولا محمد صلاح ولا بيل جيتس. لكنه عاش شريفا، وحرص أن ينفق فائض ماله على إعالة الأطفال المشردين، واليوم– في ختام حياته- يشعر أنه وفّى وعده للأم المكلومة، ولم تذهب حياة ذلك الحارس الذي افتداه عبثا.

■ ■ ■

السبت: هو جاسوس يعمل لمصلحة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. أما هي فألمانية تعمل لصالح الحلفاء. كانت مقتنعة أنها تفعل الصواب لوطنها حتى لا يقوده هتلر للهاوية، ولذلك لم تتقاض مالا على الإطلاق. ووجهة نظرها أنه كلما أسرع الحلفاء بهزيمة ألمانيا فإن هذا سيكون أفضل لأنها ستعود لتبنى نفسها (والعجيب أن هذا ما حدث فعلا بفضل مساعدات مارشال السخية).

نعود للفيلم (The Counterfeit Traitor 1962). الجاسوسة الألمانية عذبها ضميرها بعد أن تسببت معلومات أرسلتها في قصف معامل تكرير بترول مما أدى إلى مصرع أربعين طفلا في مدرسة مجاورة. وهكذا قررت الانسحاب من الجاسوسية، لكن اكتشف أمرها وحُكم عليها بالإعدام رميا بالرصاص.

مشهد تنفيذ الحكم بدا مروعا. كانت خائفة. جسدها خائف! عيناها خائفتان. يداها ترتجفان رعبا. تصور أنها بعد دقيقة واحدة ستموت، وتذهب إلى المجهول الذي لا تدرى عنه شيئا. أسوأ شىء أن نموت، ونحن نعرف أننا نموت! سيظل الموت هو أصعب تجربة في حياة الإنسان عليه أن يخوضها.

■ ■ ■

الأحد: استيقظت وما زلت أفكر في فيلم الأمس (وهذه علامة الفيلم الجيد)! لم أهضم فكرة أن تكون بلادك في حالة حرب، ثم تمد العدو بمعلومات تؤدى إلى هزيمته، وتؤدى في الوقت نفسه لسقوط الأبرياء، مهما كان رأيك في نظام الحكم سيئا.

الإمام محمد عبده كان ساخطا على قادة الثورة العرابية، ويرى أنهم حمقى، ويجرون البلاد إلى الاحتلال لا محالة، لكن انظروا: حين لم يجد لنفسه مخرجا سوى أن يكون مع قومه، مهما كان رأيه في قادته سلبيا!

■ ■ ■

الإثنين: لشد ما أمقت السمسرة، وأعتبرها مهنة طفيلية ساهمت فى إفساد الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمصريين.

حادثتان قريبتان أريد أن أحكيهما لكم. الأولى أن خالى اشتكى لى من عدم توافر (الماسكات) والمطهرات، فأجبته مندهشًا أنها متوافرة. فشرح لى الحكاية بأنه ما يتم طرح كميات منها حتى يستولى عليها السماسرة ليعيدوا بيعها بأرباح فاحشة. وهكذا لم يتورعوا عن استغلال مأساة الوباء!

والقصة الثانية أن هيئة المجتمعات العمرانية طرحت شققًا بالرحاب، وبعد خمس دقائق من فتح باب الحجز تم حجز الوحدات بالكامل عن طريق هؤلاء السماسرة، الذين قاموا على الفور بإعادة عرضها للبيع، طبعًا تحت المسمى اللعين (أوفر).

أتمنى من كل قلبى أن يفشلوا فى بيعها! قولوا معى آمين.

■ ■ ■

الثلاثاء: هناك أحزان كثيرة للوطن حدثت خلال هذا الأسبوع! مصرع جنودنا الشهداء فى سيناء، هذا الجرح المتسع الذى لا ندرى متى يندمل! ووفاة محبوس احتياطى قبل أن يُحاكم!

بالنسبة لشهدائنا فى سيناء فهم أحياء عند ربهم يُرزقون، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون! هذه أشرف ميتة يتمناها الإنسان لنفسه. لكن وفاة محبوس احتياطى ما كان أغنانا عنه لو تم تقديمه للمحاكمة بسرعة بدلًا من تجديد حبسه عامين! لن أقول تجنبًا لهجمة المنظمات الحقوقية بلا أى داع، ولن أقول لتحسين صورتنا الحقوقية فى العالم، ولكن سأقول لأن الله لا يرضى عن القهر. والسجن ليس تجربة عادية، بل هو خنق للروح والنفس والجسد! السجن أسوأ من القتل بمراحل!

أنا لا أنكر خطأ هذا الشاب رحمه الله. وأؤمن بأن كل إنسان يجب أن يتعقل ويتحمل تبعات ما يفعله، ولم يكن أحد ليعترض لو قُدم إلى محاكمة عادلة، وتم الحكم عليه وقضى عقوبته بكرامة ثم أطلق سراحه لينصرف إلى بناء مستقبله كما يحدث فى العالم كله. أما التوسع فى الحبس الاحتياطى حتى صار عقوبة فى ذاته، فأمر نرجو أن ينتهى فى أسرع وقت، إن كنتم تريدون بركة الله فى هذا الوقت العصيب.

■ ■ ■

الأربعاء: أنبهر من قدرة النساء على شراء هدايا، هى فى الغالب إكسسوارات نسائية لا أفقه عنها شيئًا، بل لا أدرى حتى أسمائها. بالنسبة لى، فيما عدا الهدايا التقليدية كالشوكولاتة والزهور والعطور، أقف عاجزًا تمامًا غير فاهم ماذا يجب أن أشترى. ربما لأن مفهومى عن السعادة هو طبق محشى كرنب، أرز بالجمبرى، كفتة على الفحم، مانجو، وهذه الأشياء المبهجة التى تجلب الحبور للقلب الحزين! ولكنها بطبعها أشياء يصعب إهداؤها. لذلك، ومن الآخر، لن أشترى هدايا لأحد!

■ ■ ■

الخميس: فى الأفلام الغربية، إذا أراد رجل وامرأة الفرار من ملاحقة المطاردين فإنهما يتظاهران بالتقبيل ليغفلوا عنهما. للأسف هذه الحيلة لا تنفع فى مصر، بل ستؤدى بهما إلى الحبس مع الزفة المعتادة وشلاليت الإخوة المتطهرين الغيورين على الفضيلة!.