يوميات أسبوع 26

الجمعة: تابعت الجدل القائم بخصوص سيدنا إدريس عليه السلام. قناعتى ثابتة وهو تجنب قصص السمّار بخصوص الأنبياء، والاكتفاء بما رواه القرآن الكريم عنهم، وهو المصدر اليقينى الوحيد. بالنسبة لسيدنا إدريس فكل ما نعرفه عنه يقينا هو ما ذكره القرآن (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا* ورفعناه مكانا عليا). أما كونه عاش في مصر، ناهيك أن له علاقة ببناء الأهرام، أو بوجه أبى الهول، فهذه كلها حكايات سمّار، كائنا ما كان قدر من رواها. فالوحيد الذي يُوحى إليه هو النبى، أما ابن عباس أو ابن كثير أو الطبرى (مع احترامنا العظيم لهم) فهم ليسوا مصدرا للمعلومات طالما لم يُوح إليهم.

أريد التأكيد أيضا أن القرآن الكريم له منهجية متكررة في القصص القرآنى، وهو أنه يذكر التفاصيل، التي تخدم الهدف الدينى والدعوى والتربوى. وليس من ضمن اهتماماته التأريخ متى ولد وأين عاش واسم زوجته وأبنائه؟ الإبهام والتجريد ظاهرة متكررة في القصص القرآنى، مثل أصحاب الكهف والذين خرجوا من ديارهم حذر الموت وأصحاب الأخدود والعبدالصالح وذى القرنين، لم يذكر تفاصيل تتعلق بهم مطلقا إلا في إطار خدمة الهدف الدينى.

ولذلك فإن رأيى الثابت أن نتوقف حين توقف الوحى، بالذات في قصص الأنبياء التي دخل تفاسيرها الكثير جدا من الإسرائيليات.

■ ■ ■

السبت: الأشباح سخيفة جدا. هذا ما خرجت به من مشاهدة فيلم (Stir of Echoes (1999)). الزوج تعرض لجلسة تنويم مغناطيسى كنوع من التحدى العابث لرجل لا يؤمن بهذه الخرافات. لكن المعالجة ارتكبت خطأ جسيما حين أمرته أن يفتح كل الأبواب المغلقة في عقله! وهكذا صار المسكين يشاهد شبح فتاة ميتة، مدفونة فيما يبدو تحت بيته الجديد المستأجر. لم تترك له رسالة واحدة (احفر).

يقولون إن المقتول لا ترتاح روحه إلا بعد دفنه بطريقة لائقة، ومعاقبة القتلة! وهذا كان حال الشابة الجميلة، التي استدرجها شابان عابثان لاغتصابها في هذا المنزل، ثم تطور الأمر لقتلها بعد أن قامت بمقاومتهما، كما يحدث كثيرا في حوادث الاغتصاب والسرقة.

وبرغم أن شبحها يظهر بأكثر مما يظهر الأحياء لبعضهم البعض، فإنها ألجأته إلى أن يحفر كل الحديقة بمجهود فائق، ثم بعد ذلك بدأ يحفر قبو بيته، حتى هدمه تقريبا، كل ذلك لكى يريح شبح البنت المقتولة بدفنها بالطريقة اللائقة وإخبار الشرطة لتقبض على القاتل، ثم ترحل بعدها بسلام وتتركه يمارس حياته كما اعتاد البشر.

ألم يكن سهلا عليها، بدلا من كل هذا المجهود العبثى، أن تشير على مكان دفنها، ولكن لو فعلت لانتهى الفيلم في عشر دقائق، ولما تمكن المخرج المفلس من دفع قسط السيارة، وهكذا يولد الفن من أكل العيش، ويربح الكل فيما عدا المشاهد المسكين، الذي أضاع ساعتين بلا جدوى.

الإثنين: عندما أشاهد فيلما أمريكيا أتعجب من ضحالة الإنسان العادى فى أمريكا؟ وأصبح عاجزا عن فهم كيف استطاع هؤلاء الناس أن يبنوا أقوى دولة على ظهر الكوكب؟

ويتوه عقلى: كيف اجتمعت كل هذه المتناقضات فى أمريكا؟ قوة عسكرية غاشمة؟ تقدم علمى مذهل! رحلات فضاء! حرية رأى! ديمقراطية حقيقية! فساد خفى! جيوش من الأغنياء وجيوش من الفقراء! دعارة! مافيا! غناء بديع! موسيقى صاخبة! عصف ذهنى! تفاهة الجماهير الغفيرة!

هل هى متناقضات متنافرة فيما بينها؟ أم أن اجتماع هذه العناصر المتفاوتة هو سر حيويتها وهيمنتها على العالم؟

■ ■ ■

الثلاثاء: المصريون متحيرون فى بعض أصحاب الثروات الطائلة فى مصر؟ أتحدث عن قصور التجمع وزايد والجونة والساحل الشمالى، التى يقدر القصر الواحد منها بعشرات الملايين، وأحيانا يصل سعره إلى مائه مليون؟ من أين لهم هذا؟ ما المهنة التى تجلب كل هذه الأرباح الطائلة؟ هذا هو ما يحير الناس ويجعلهم عاجزين عن الفهم!

هل هى الصناعة أم التجارة أم الاستيراد؟ فى اعتقادى أن التفسير يكمن فى (المعلومة)! والتى عندما يعلمها شخص ما فى وقت ما تكون هى الكنز نفسه.

تصور لو كنت تعلم، مثلا، أن التعويم قادم! هذه المعلومة بلا مبالغة تساوى مليارات. تخيل لو كنت عرفت بنية إنشاء طريق ما أو محور ما أو جامعة فى مكان معين، هو الآن لا يساوى جنيهات معدودات، ولكن سوف تتضاعف قيمته آلاف المرات بعدها. هذا هو الفساد الخفى الذى لا تصل إليه عين القانون، ولكن لا تغفل عنه عين الله أبدا.

■ ■ ■

الأربعاء: اختفى لمدة يوم واحد، لا لشىء سوى أن هاتفه تعطل، وبالتالى الإنترنت لا يعمل! وأثار هذا قلقا عارما، وأصبح الكل يتوقعون أن يجدوه جثة هامدة.

وسائل الاتصال جعلت الإنسان متاحا على الدوام، وبالتالى فمجرد اختفاء شخص، ولو ليوم واحد، يصبح مثارا لقلق أهله، لأنه لا معنى لاختفائه فى ظل توافر كل الوسائل. فيما كان الناس لا يبدأون فى القلق على غائب قبل أن تمر بضعة أسابيع على غيابه. كان الأب حين يسافر خارج البلاد قد يمر شهر قبل أن تصل منه رسالة. كان هذا قبل عصر الاتصالات طبعا.

■ ■ ■

الخميس: البنت اللعوب حاولت إغواء أستاذها الوسيم لكنه لم يستجب لها، فما كان منها إلا أن اتهمته باغتصابها. وهكذا أدرك المعلم، بمجرد سماع الاتهام، أنه قد قُضى عليه! لماذا؟ لأن الناس سوف يصدقون مقالة السوء طبعا، لأن الفضيحة لذيذة والكلام عنها ممتع. والناس يحبون الفضائح ويروجون لها، ويؤمنون فى أعماقهم أن الجميع أوغاد!

تأملت هذا المشهد فى أسف. هذا المعلم حكيم فعلا عندما أدرك أنه قُضى عليه بمجرد اتهام البنت، وأنه مهما أقسم أنه برىء فلن يصدقه أحد. ولكنَّ عزاءنا الوحيد هو القاضى العدل الذى يعلم السر وأخفى.