يوميات أسبوع 21


الجمعة: على مدى شهر كامل ظللت أتابع المعجزة!
والحكاية أن طعاما ساخنا، خرج من الفرن لتوه، سقط على قدمى. طالعت مكان الحرق فوجدته عميقا ملتهبا. للأسف أهملت الحرق فلم أهتم بمداواته. وفى كل يوم كانت القرحة تتسع والحرق يزداد سوءًا، حتى صار الوضع غير محتمل وأصبح لزاما علىّ أن أمنع تعرضه للماء، وما أصعب ذلك!
أصبح القرح مزمنا، كان واضحا أنه عميق وحوافه متباعدة. وكنت أعلم أن أقصى ما يستطيع الطب أن يقدمه هو منع التلوث. أما أن ينمو الجلد ويغطى هذا القرح المتسع فمسألة أخرى. السيارة لا تصلح نفسها إذا عطبت. لكن الجسد الحى يفعل. إنها قابلية النمو التي وضعها الله في هذا الجلد! قدرة الخلق التي ينفرد بها الله، وأودعها في خلايانا كى تنمو وتجدد نفسها.
وعلى مدى الأسابيع التالية كنت أتابع المعجزة! معجزة الخلق. ما الذي يحدث الآن في الجلد. الخلايا تستنفر طاقتها القصوى. الدم يمدها بما تحتاجه لتغزل ثوب البشرة في صمت، وتسجد لله شكرا على نعمة الخلق، معجزة الحياة التي لا ندرى عنها شيئا.
كان الشفاء بطيئا، وكأنه لا يحدث! ولكنه كان- مثل الليل والنهار وكافة الأمور الجليلة- يحدث ببطء وتصميم. لا أدرى كم من الصلوات رفعتها خلايا الجلد المتهتكة إلى خالقها! لم أشاهد مصانع الخلايا التي لا ترى بالعين المجردة وهى تهدر! لم أسمع صوت العمال في الأنسجة وهم يرتجلون الأغانى الحماسية، يشدون من أزر بعضهم البعض، ويستنفرون هممهم العالية.
كانت المعجزة تحدث داخلى في كل لحظة. وكنت أرى الله تعالى فيما يحدث.
واليوم تمت المعجزة. صارت قدمى ناعمة كقدم طفل خرج من الرحم لتوه. معى شىء طازج نزل من السماء لتوه، قريب العهد بالله، مغمورا بالأناشيد العلوية، ولم يسع في معصية بعد. أمامى فرصة نادرة ليتنى لا أضيّعها!
■ ■ ■
السبت: استمعت لتوى لأغنية (على باب الهوى دقيت) لوردة الجزائرية فاستوقفنى هذا البناء الشعرى العذب:
(خدنى الهوى لف بعودى/ وقاللى ع الأشواق غنوة.
وفاتلى ورد على خدودى/ وحيرة بين لأ وأيوة).
البنت وقعت في الحب. كانت من قبل غافلة! كانت ساذجة كطفلة لا تتبين معالم أنوثتها. ثم جاءها الهوى فوقعت في الحب! عندما أحبت خرطها خراط البنات! وعودها- الذي كان من قبل نحيلا، كصدر صبى أملس- تبين معالم أنوثتها! حين وقعت في الحب صارت امرأة! عندها أحست بالخجل وكأنما طاف الورد على خدها! وتملكتها الحيرة المحببة بين (نعم) و(لا)! حيرة الحب الأول بين أن تتمادى في الحب أو تحجم. بين أن تسلم قيادها للهوى الذي هب هبوبه فجأة أم تغلق الأبواب الهادرة.
هكذا تذوقت الأشعار في ومضة خاطفة، فهل أحسستم بجمال الكلمات مثلى؟
■ ■ ■
 الأحد: المهزومون كثر فى هذه الحياة! هذا ما خرجت به من مشاهدة فيلم (الجوكر) الذى أثار الإعجاب وحصد الجوائز! والملاحظ أن المهزومين تقسو عليهم الحياة أكثر. حين تمتلك المال والمكانة الاجتماعية فأنت تبتعد- بنفس القدر- عن قساة القلوب الذى يملؤون الشوارع، يسومون المهزومين سوء العذاب، ويضربونهم لمجرد التلذذ!

يوم القيامة حتمية أخلاقية فى بناء الكون نفسه، لا يمكن لهذا الكون المتقن إلا أن يكون صنعة إله حكيم متكامل الصفات! ولا يمكن أن يرتضى هذا الإله العظيم بهذا الظلم الذى يقع على مخلوقاته. لذلك أجد فكرة (يوم الحساب) فكرة منطقية وحتمية أخلاقية لا يمكن فهم الكون من دونها. يستحيل علىَّ أن أستوعب أن المجرمين سيفلتون بجرائمهم بالموت، والمستضعفين يموتون بحسرتهم! ثم الإله العادل ساكت وراضٍ!
الله أعدل من أن تنتهى الحياة بالموت، ونتحول إلى ذرات كربون بلهاء لا تُثاب أو تُعاقب.
■ ■ ■
الإثنين: هناك بحث علمى مرعب فى جامعة (ستونى بروك) بنيوريوك أن مخ الإنسان ربما يرى ويسمع بعد الوفاة، نظرًا لاستمرار وجود نشاط فى هذه المراكز بعد إعلان الوفاة. ولكنه بالطبع لا يتكلم ولا يتحرك. ويستمر الأمر بضع ساعات حتى يخمد نشاط هذه المراكز.
المتدينون رحبوا بهذا البحث، باعتباره مؤيدا لنصوص دينية، أما أنا فقد تملكنى الرعب. وأنا أتصور جسدى على الرخامة الباردة أو على السرير، أرى السقف حيث يقع بصرى! وأسمع الأصوات من حولى ولا أملك الاستجابة! شىء يرعبنى حرفيا. لذلك أرجوكم أغمضوا جفونى بعد إعلان وفاتى حتى لا أرى السقف الأبله! وليتكم تديرون سورة الأنعام التى أحبها بصوت الشيخ ماهر المعيقلى بجوار أذنى، لعل أنسى بالله يعنينى على هذا الموقف المرعب.
■ ■ ■
الثلاثاء: أذكر أننى كنت فى شرم الشيخ عندما تناقلت وسائل الاتصال الاجتماعى صور المراهقين الهائجين فى المنصورة الذين استباحوا بنتًا ترتدى ثوبًا قصيرًا. وطفقت أقارن مشاهد العرى على الشواطئ، وأتساءل: ماذا لو جاءوا شرم، وشاهدوا الحوريات الشقراوات ناصعات الأفخاذ، ماذا سيفعلون؟
وجاءت الإجابة: ولا شىء! لن يفعلوا أى شىء وسيكتفون بالبحلقة!
والسبب أنهم سيخافون من البهدلة لأن شرطة السياحة فى هذه المدن السياحية لا تتساهل أبدا مع تحرشات من هذا النوع!
والخلاصة أنهم ما تجرأوا على استباحة البنت المسكينة إلا أنهم أمنوا العقاب واستقووا بتحرشهم الجماعى.
■ ■ ■
الأربعاء: فى سن الإقبال على الحياة يكون الشغف بالكيلو.
وفى سن الإدبار عن الحياة يكون الشغف بالجرام والميللى جرام.
■ ■ ■
الخميس: مشكلة الموت أنه حين يغيّب حبيبًا فإنه يغيّبه إلى الأبد، فلا تسنح لك فرصة إصلاح خطأ أو مصارحته كم كنت تحبه! ليتكم تصارحون من تحبونه بأنكم تحبونه قبل أن تندموا على ضياع الفرصة.