يوميات أسبوع 18

الجمعة: موقف مثير للتأمل مررت به اليوم. كنت قد أضعت حقيبتى فى مركز اللياقة البدنية (الجيم). فسألت العامل الذى كان مشغولا بهاتفه فلم يهتم بالإجابة عن سؤالى مادا قدميه فى وجهى بطريقة غير لائقة. استفز المشهد موظف الاستقبال فاستشاط غضبا فى العامل لمعاملته غير اللائقة معى. أصيب العامل بالذعر فنهض قائما. أسرعت بتلطيف الموقف حتى لا يتطور الأمر فيفقد الولد عمله. بعدها ظهرت الحقيبة الضائعة فأخذتها وانصرفت. لكنى شرعت أتأمل فى دلالات هذا الموقف. لم أستغرب لا مبالاة العامل معى واستخفافه بى، فلطالما علمت أن الطيب فى هذا الزمان لا يُعامل جيدا، وأن الوقح العدوانى هو الذى يتقى الناس شره. لست نادما ولا أنوى تغيير نفسى، بل ولا أرغب أن أصبح شرسا فى سبيل الحصول على احترام الناس.
زمان كنت أغضب لنفسى لكننى صرت الآن أكثر تسامحا وفهما! بل صرت ألتمس العذر له، فلا شك أنه لم يتلق تربية من والديه تؤدى إلى تهذيب طباعه! لم تكن له أم كأمى غاية فى الوداعة. أو أب شبع من السلطة فصار يمشى بين الناس هونا، وإذا خاطبه الجاهلون قال سلاما! وإنما تعلم الاحتشام فى الدنيا بالطريقة الصعبة! أن يحذر من يستطيع أذيته ويستقوى على الودعاء أمثالى! ليس ذنبه أنه لم يتهذب، وليس فضلا لى أننى وجدت من يقوّمنى ويربينى.
■ ■ ■
السبت: لم أكن من محبى الدكتور محمد عمارة، ولم أنتبه إلى أهمية مؤلفاته إلا مؤخرا. وأظن أن أجلّ أعماله وأهمها على الإطلاق هو ذلك الجهد المنصرف لتحقيق وتقديم أعمال روّاد القرن التاسع عشر، كالكواكبى والطهطاوى والأفغانى ومحمد عبده وقاسم أمين، بعد أن أولغ المتشددون المهووسون بالمؤامرة فى أعراضهم واتهموهم فى دينهم، واتهموهم بالعمالة والضلال والماسونية، وبكل نقيصة تثير نفور الأجيال الجديدة، الذين لا يستمعون إلا لعوائهم، وكأنما لم تبدأ الصحوة الدينية (المزعومة) إلا على أيدى هؤلاء المتشددين الكارهين للحياة الناقمين على كل شىء طيب. والتى هى ليست صحوة بالتأكيد بل هى مزاج سيئ وجد فى المؤامرة المزعومة على الإسلام ما يغذيها فتوحش هذا المزاج وصار عدميا مرضيا معاديا للحياة والبهجة.
يُحمد للدكتور محمد عمارة أنه دافع عن هؤلاء الأجداد الكرام، الذين أنفقوا أعمارهم وضحوا بحرياتهم كى يوقظوا الشرق بعد سبات قرون طويلة.
والخلاصة: ستذهب كل معارك محمد عمارة الفكرية، والتى يؤسفنى أن بعضها لم يراع حساسية شركاء الوطن المسيحيين (وكنت أتمنى لو احتاط درءًا للفتنة وجلباً للمودة)، وسيبقى عمله الأفضل، الباعث للثقة، والمصالح لنا مع تاريخنا: تحقيق وتقديم أعمال والدفاع عن أبطال القرن التاسع عشر، الذين حاولوا جهدهم ما استطاعوا لإيقاظ الأمة من سباتها الطويل، وسواء نجحوا أو فشلوا فى مساعيهم، فليس عليهم إلا المحاولة وليس عليهم إدراك النجاح.
■ ■ ■
الأحد: ارتياب المصريين فى النصب طيلة الوقت دفع صديقى ألّا يفتح الباب وهو فى المنزل وحده. وحين أخبره الطارق أنه مندوب التعداد والسكان، اعتقد أنهم نصابون ينتحلون شخصيتهم. وبرغم أنهم لم يسألوه إلا عن عدد الذكور والإناث فى هذا المنزل، فإنه تصورهم عصابة يجمعون المعلومات كى يسرقوا البيت فيما بعد. امتنع عن الإجابة وقال إنه لا يدرى، ولا أحد يوجد بالمنزل. سألوه السؤال المنطقى: «فمن أنت إذاً؟» قال على الفور: «ضيف عابر». قالوا فى دهشة: «وهل يمكث الضيف العابر فى المنزل وحده؟»، فقال لهم: «أيوه».
الطريف أنه اكتشف- بعد ذهابهم- أنهم مندوبو التعداد فعلا. مرت على هذه القصة الطريفة سنوات عديدة، ولا شك أنهم ما زالوا يتعالجون حتى الآن من آثار الصدمة!.
■ ■ ■
الاثنين: استمعت إلى قوله تعالى: «يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ». والمعنى أن الله جل جلاله يسأل النبى عمن استجاب من قومه ومن لم يستجب. ولكنهم- فى فزع القيامة- يردون الأمر لله كله، ويقولون وما معناه (إحنا ما نعرفش حاجة. سبحانك وحدك من يعلم). شعرت بإجلال شديد لله عز وجل، وأدركت أن القرآن مجّد الخالق تمجيدا يليق بذاته العليا.
■ ■ ■
الثلاثاء: تابعت بكثير من السخط والحزن تصريحات وزير الخارجية الإثيوبى. أما السخط فبسبب لهجته المستهينة بمصر، بتعبيرات لا تليق بالدول وإنما بخناقات الشوارع. الدول لا تهين بعضها البعض على هذا النحو، وإسرائيل نفسها لم تبد هذه الاستهانة بمصر فى ذروة صراعها المسلح معها، بل اعتبرتها دائما عدوها الاستراتيجى الأكبر ذى الثقل.
وأما الحزن، فقد كان بسبب ما أعرفه من عبث الإعلام الإثيوبى والسياسيين الفاسدين بعقول أشقائنا السمر الذين عندما يعرفون أنك مصرى تتعكر عيونهم الواسعة السوداء الجميلة بالمقت والحذر!، فقد صوروا لهم- على غير الحقيقة- أننا الشعب المتعالى العنصرى الأبيض الذى يمنع نهضتهم ويدفعهم إلى الفقر.
لا أدرى كيف ستتصرف القيادة السياسية مع هذا الوضع الصعب!، فالماء هو الحياة ذاتها!، وفى الوقت نفسه فالحرب ليست لعبة، ولا مجال فخر قومى، خصوصا مع دولة بأهمية إثيوبيا التى يجب أن تكون علاقاتنا معها ودية، وقائمة على المصالح المشتركة.
لا أدرى بمن تستقوى القيادة الإثيوبية؟، لكن لسان حالهم يقول (يا شر اشتر)، ويبدو أنهم يريدون الحرب لمصالح شعبوية ضيقة، والمؤكد أنهم سيلحقون ببلادهم أشد الضرر، وببلادنا أيضا.
■ ■ ■
الأربعاء: ما أسهل أن تبدو متواضعا وسط معجبين يقدسونك!، تواضعك فى هذه الحالة ليس فيه أى بطولة على الإطلاق. البطولة الحقيقية ألا تشعر بالمرارة وسط من يغبنونك حقك!.
■ ■ ■
الخميس: هدية من سيدة صالحة إليكم: (سبحان الله العظيم وبحمده. أسبحه وأحمده وأكبره، وأنزهه وأقدسه، وأشكره وأستغفره بكل لغة ولسان).