يوميات أسبوع 17

الجمعة: كان ثمة زحام في الطريق بعد صلاة الجمعة. وكنت في مكان عال أتاح لى أن ألقى نظرة بانورامية. وخطر ببالى فجأة خاطر عجيب. لطالما تعجبت من قبل كيف أن لكل واحد من الستة مليارات إنسان الذين يدبون على الكوكب الأرضى عالمه الخاص! كل منهم يريد حسابًا في البنك وسيارة ومتعلقات تملأ شقته. لكننى اليوم أفكر في شىء آخر مختلف تمامًا. كل هؤلاء سيموتون ويدفنون في باطن الأرض! فكيف ستتحمل الأرض كل هذا العبء! ستة مليارات قبر من الأفئدة والأحلام والأحزان والأمانى المؤجلة التي لم تتحقق أبدا! لا عجب أن تتحرر الأرض من هذه الأثقال يوم القيامة.
■ ■ ■
السبت: لم أشعر بالارتياح لحديث وجدى غنيم عن مجدى يعقوب، وأن كل هذا الخير الذي يفعله لن يفيده يوم القيامة. تذكرت مقالا قديما بمجلة الدعوة (أو ربما الاعتصام) بعنوان (رسالة إلى كارتر: أسلم تسلم).
تخيلوا. واحد من كتاب المجلة يكتب خطابًا إلى كارتر، رئيس الولايات المتحدة وقتها، يطلب منه أن يعتنق دين الإسلام! وكأنما كارتر يعرف العربية ويقرأ المجلات الدينية المصرية. لم أشعر بالارتياح يومها للمقال!.
أعرف أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كتب رسالة مماثلة إلى قيصر الروم وإلى كسرى الفرس ومعظم الحكام المجاورين بالمعنى نفسه، ولكن ما أبعد الفارق بين هذا وذاك. الرسول صاحب الدعوة الجديدة، كان لزاما عليه أن يفعل ذلك. لأن القرآن أوضح له أن عليه البلاغ فقط، وليس عليه حساب الناس أو أن يكون عليهم وكيلا. ولم يكن قيصر يعلم شيئا عن رسالة الإسلام.
أما الآن فالوضع مختلف. دكتور مجدى يعقوب، شأنه كشأن غير المسلمين وصلته رسالة الإسلام يقينا. وبحكم إقامته بمصر سمع القرآن يُتلى من خلال إذاعة القرآن الكريم، بل ودرس آياته في نصوص اللغة العربية أثناء دراسته الأساسية، وهو بعد ذلك حر تماما يختار العقيدة التي يقتنع بها. وحسابه على الله كما حسابنا جميعا. فما الداعى لهذا الاستعراض والحماسة المؤذية التي تضر الإسلام ولا تفيد. وهل رجل بمكانة د. مجدى يعقوب يخدم الإنسانية جمعاء من خلال عمله، يُنتظر منه أن يصغى لوجدى غنيم؟ أم أن الطبيعى أن مثله لا قبول له على الإطلاق عند أمثال دكتور مجدى يعقوب؟ وهل يصح أن نقحم الدين المقدس في أهوائنا كبشر! أم أن المفترض أن نصونه عن مشاحنات البشر.
الرسالة وصلت الجميع ولسنا أوصياء على الناس، والقرآن أمرنا أن ندعو إلى ديننا بالحكمة والموعظة الحسنة. وإذا كنا نحب الإسلام فعلا فعلينا أن نحاول أن نكون «قدوة صامتة» تدفع الآخرين إلى احترام دينك والتفكر فيه بإيجابية! فهل نحن قدوة صامتة فعلا؟ أشك في هذا كثيرا!
■ ■ ■


الأحد: أظرف ما فى الرجال (تكبير الدماغ). عشرات المرات كتبت أن الرجال نصابون وأوغاد، فلم يغضب منهم أحد. وإنما كانوا يضحكون وينسون الأمر برمته. أما النساء -فيا عينى- لو مسستهنّ بكلمة، ولو مزاح خفيف، فإنهن يغضبن ويتكاتفن جميعًا.

■ ■ ■
الإثنين: عندما أبصرت أصابع البطاطس الساخنة، والبخار يتصاعد من البيض المسلوق الخارج لتوه من أتون العشق، وحفنة الدقّة الشهية، وقطعة السميط تتهادى على الصحن، رقص قلبى طربًا، ولمعت فى عيناى نظرة حنان لم يسددها قيس لليلى العامرية، وهتفت على الفور: «نحن قوم نعيش لنأكل، لا نأكل لنعيش».
■ ■ ■
الثلاثاء: مات مبارك كما يموت البشر، بعد أن ظننا أن الموت قد نسيه. لست اليوم فى مقام تقييمه، فمن الطبيعى أن تختلف الآراء فيه سلبًا وإيجابًا، فمصر لم تكن فى أى لحظة على رأى واحد فيه. كنا -مثل معظم الشعوب- ننقسم إلى ناقمين على الأوضاع يتوقون للتغيير بأى ثمن، ومؤيدين لاستمرار الأوضاع، برغم ظلم يعترفون بوجوده، خوفًا من أن تصبح الأمور أسوأ. انقسم الشعب بين هذا وذاك، ومازال الانقسام مستمرًا.
لكن المتفق عليه بين الجميع أن مبارك الآن يُحاسب عند ربه. لا أحد يدرى على الإطلاق كيف سيبتّ خالقه فى أمره! ولكن المؤكد أن حساب الحاكم، أى حاكم، يكون عسيرًا وثقيلًا، لمسؤوليته عن مئة مليون! لذلك حذرنا الرسول، الرحيم بأمته، أن نسعى إلى الرئاسة، ونصح حبيبه أبا ذر أن يجتنبها ويفرّ منها. ومع ذلك تجدهم يتنازعونها ويتصارعون عليها، فلماذا يضعون أنفسهم تحت خطر النار؟ من أجل شهوة حكم تفنى كما يفنى كل شىء؟ ولا أحد يتعظ ولا أحد يشترى نفسه من النار؟.
■ ■ ■
الأربعاء: مازالت أصداء وفاة مبارك تملأ صفحات التواصل الاجتماعى. وتداول المحبون له أغنية (اخترناه). استمعت إلى الأغنية بحنين الماضى. اللحن رشيق كجميع ألحان عمار الشريعى. وقد أشجانى رؤية وجوه المطربين وهم أصغر بعشرين عامًا. لكنى -من حيث المبدأ- لا أحترم أى أغنية تمجد أى حاكم أثناء حكمه، وأراها نفاقًا محضًا. فمهما كانت الأغنية متقنة فهى - فى رأيى- رخيصة! وتهين مصر والمصريين. لماذا لم نسمع مطربة أمريكية تغنى (يا جونسون يا مثال الوطنية)، مثلما غنت أم كلثوم (يا جمال يا مثال الوطنية)؟ ومثلما غنت فايدة كامل (يا سادات. يا حبيبنا)، لماذا لم نسمع فى أمريكا (يا كلينتون يا حبيبنا)؟ وقِس على ذلك.
كفى إهانة لمصر. هذا البلد يستحق أفضل من هذا بكثير!
■ ■ ■
الخميس: وأنا فى البلاء سأدعوك ربى وإن لم تستجب. سأدعوك مرة ثانية وإن لم تستجب، سأظل أدعوك وأدعوك، مستميتًا فى الدعاء، فليس لى سواك فى الدنيا ولا فى الآخرة. عالمًا أن أى بلاء يصيبنى فإنى أستحقه بما جنت يداى، «ويَعْفُو عَن كَثِيرٍ».