يوميات أسبوع 16


الجمعة: تجولت قليلًا على موقع دار الإفتاء المصرية، وتصادف أن يكون ذلك يوم الجمعة، حيث تدور مباراة خفية بين عشاق النبى فى الصلاة والسلام- بالآلاف- على الرسول الأكرم.
استنشقت موجة من عبير وأنا أتصفح موقع «دار الإفتاء المصرية». كيف يحثون المتابعين على كل طيب، بنَفَسهم الهادئ المُعطَّر بنكهة مصرية صوفية تختلط بسماحة الريف وهدوء المدى الأخضر.
■ ■ ■
دار الإفتاء المصرية، مثل إذاعة القرآن الكريم، شأنها شأن الأزهر الشريف، منارات مصرية تضىء ظلام العالم. لم أقرأ لهم طيلة حياتى إلا كل خير ووسطى، وأشهد أنهم غزيرو العلم، مُطَّلعون على كافة المدارس الفقهية، بحرفة فقيه ماهر، يختار الأنسب للسائلين، فى زمن فتنة ندعو الله أن يخرجنا منها على خير.
دار الإفتاء المصرية- فى رأيى- أقرب إلى مرامى الدين الحقيقية من دعاة المدرسة السلفية. لا توجد عندى سوى غصّة واحدة وعتاب واحد! وهى توريطهم فى السياسة. وكما تعلمون السلطة الزمنية متغيرة، ولا دائم إلا الله، فأرجوكم- كى تحفظوا مصداقيته وتجدوه عندما تحتاجون إليه- أديروا صراعكم السياسى مع القوى المناوئة لكم بدون إقحام الأزهر ودار الإفتاء.
صدقونى ستعرفون قيمة هذه النصيحة يومًا ما، إذا وقعت الواقعة، وبحثتم وسط المؤسسات الدينية الرسمية عن شخصية تحظى بالثقة والقبول! ووقتها لن تجدوا سوى علماء الأزهر الذين تهاجمونهم اليوم، وعلى رأسهم شيخ الأزهر، لأنهم أبدوا ممانعة فيما تريدون منهم! نزِّهوا دين الله عن أقذار السياسة، واكفلوا لهم الاستقلالية الكاملة. هذا خير لكم ولهم وللمصريين والله.
■ ■ ■
السبت: القصة ظريفة جدًا، وتنتمى إلى الكوميديا السوداء. وستظل هذه الواقعة علامة فى تاريخ مصر مثل اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون. القصة باختصار هى لوصول إلى أوروبا بطريق غير شرعى. لذلك أخذوا من كل مَن يريد التسلل خمسين ألف جنيه، وألبسوهم نظارات سوداء، وأمسكوا كلًا منهم عكازًا، ودسُّوهم وسط منتخب كرة الجرس للمكفوفين، ونبّهوا عليهم فى المطار: «ماحدش يكتّر فى الكلام. يعنى تقولوا النصر لمصر. لازم نرجع بالكاس. سنشرف مصر. بس كده».
وبالفعل لم يُكذِّبوا خبرًا! بمجرد أن خرجوا من مطار بولندا، فوجئ سائق الأتوبيس بمنتخب مكفوفين يقفز من الأتوبيس- وهو منطلق بأقصى سرعته- مع المدرب، ليذوبوا فى شوارع بولندا. فكرة عبقرية فيها ابتكار وأصالة وكوميديا سوداء!
■ ■ ■
الأحد: الأمسية التى يكون فيها نومى مضطربًا، أتقلب فيها طيلة الليل مستجديًا نومًا لا يأتى. طبيعى أن أكون فى الصباح التالى مشتعل المزاج أقرب إلى الجنون، فنصيحة: لا تشتبك معى فى هذا اليوم أبدًا. ولِأُسهِّل الأمر عليكم، سأُركِّب فوق رأسى «لمبة» حمراء تنذرك ألّا تقترب! أما لو رأيتها خضراء فهذا معناه أن نومى بالأمس كان جيدًا، واستيقظت سعيدًا مقبلًا على الحياة كعصفور يغرد.

■ ■ ■
الاثنين: طبيبتان صغيرتان فى مقتبل العمر تجلسان أمامى فى المستشفى. لا أعرف اسمهما ولا أسمع حديثهما. لكن إحداهما كانت تُرى الأخرى شيئًا ما فى هاتفها الجوال. وبدون وعى منها، وبدون أن تقصد أو تنتبه إلى وجودى، مالت عليها رقة ودلالًا، وقد بدا عليها الإعجاب بهذا الشىء الجميل الذى تشاهدانه. شىء لا أدرى ما هو، ولكنه بالتأكيد يروق للبنات ولا يهم الذكور الأوغاد ذرة. هذه الأشياء العجيبة التى تُجن بها البنات! إكسسوار زينة! علبة مكياج! ثياب لا يدرى الرجال ما اسمها. المهم أنها سعيدة! وصديقتها سعيدة! وأنها تتمايل فى دلال فطرى! وأنهن فعلا كائنات لطيفة، فلتحىَ البنات.
■ ■ ■
الثلاثاء: آلام ظهرى وصعوبة نومى وقرحة قدمى، هذه الأمور الثلاثة ما يشغل بالى الآن ليل ونهار. وبسببها أمشى غلبانًا و(أتمسكن) على ربى وأدعوه قائمًا وقاعدًا. لكنى أعلم جيدًا أنه حين يكشف الضرّ عنى، فإننى لن أحفظ الجميل. كل الفارق بيننا أنه رب كريم وأننى عبدٌ لئيم.
■ ■ ■
الأربعاء: التوقعات لا تنتهى بالنسبة لأسعار الدولار ومستقبل العقار، وهو أمر طبيعى نظرًا لتأثير سعر الدولار على معظم السلع. ولأن حاجة الإنسان إلى السكن لا تنتهى، فهناك من يتوقع أن يصل الدولار إلى ١٥ جنيهًا ثم يبدأ الارتفاع. وهناك من يتنبأ بفقاعة عقارية قادمة، وهناك من يؤكد أن هذا السيناريو لن يحدث فى مصر أبدًا، وأن العقار يمرض ولا يموت، وفى كل الأحوال هو يثبت قليلًا ثم يعاود الارتفاع.
فى رأيى، المسألة أبسط من هذا كله. فى مصر لا يمكن التنبؤ بأى شىء على الإطلاق، فالسر فى (عِب) الحكومة، والحكومة تجيد إخفاء أسرارها. أريحوا أنفسكم واركنوا إلى اليأس المريح، فهو إحدى الراحتين. وليحدث ما يحدث.
■ ■ ■
الخميس: عندما أكون فى الأسواق وأرى بنتًا لذيذة، ذات ضفيرة ساحرة، تتأرجح يمينًا ويسارًا، وهى تسير بجوار أبيها فى هشاشة الطفولة، توشك أن (تتشعلق) فيه توسلًا، وهى تحاول إقناعه بشراء المزيد من الحلوى، أو شىء ما مما يروق للبنات. وهو يتنصل كعادة الآباء الأوغاد متحججًا بأسنان ابنته أو تعليمات ماما، والحقيقة أنه لا يفهم أشياء كثيرة!.
لا يفهم أن هذه البنت الصغيرة بهشاشتها ورقتها ولطفها هى أجمل كنزٍ فى حياته، وأنها حين تكبر (ويكبر معها)، وتتزوج وتغادر منزله، سيدرك قيمة الكنز الذى كان بين يديه. وهو لاهٍ عنها، منشغلٌ فى عمله وشبابه وأصدقائه بكل أنانية الرجال المعروفة. وقتَها سيُدرك أن هذه المواقف الصغيرة/ الكبيرة هى التى تنسج دانتيلا الحب فى قلوبهن حينما يكبرن. وأنهن أكبر استثمار فى حياته. فأود لو استوقفه وأقول له: «يا أحمق حقق لها جميع مطالبها. ولا تتحجج بحجج الرجال الفارغة. دللها الآن بقدر ما تستطيع، فلسوف تندم فيما بعد على هذه الفرص الضائعة».