يوميات أسبوع 15


الجمعة: سؤال وجودى: لماذا- بحق الجحيم- لا يضغطون على زر السيفون حتى في أفضل الأماكن رقيا وأغلاها ثمنا؟ لقد صرت أدخل الحمام كالمكهرب، متخشب العنق، زائغ النظرات، متحاشيًا أن أنظر إلى جسم الجريمة (!) لعلمى المسبق بما ينتظرنى من أهوال طافية.
■ ■ ■
السبت: من حسن حظى أيضا أننى لم أحاول الاطلاع على تقييم موقع IMBD الشهير لفيلم (اليد The Hand 1981)، وإلا لما كنت شاهدته بعد تقييمهم المتدنى لهذا الفيلم! حتى لو كان الممثل هو (مايكل كين) الرائع الذي أعشقه وأعشق لكنته البريطانية! وعلى كل حال فهذا الفيلم قد حسم جدالا طويلا بينى وبين صديق العمر الكاتب الراحل د. أحمد خالد توفيق، والذى كان يرى أن هذا الموقع لا يُعتد به إطلاقا. وكنت أجادله ولا أسلّم له، برغم يقينى المطلق أنه متعمق في فن السينما. ولكننى- ولعلكم لا تتضايقون من استطرادى- لم يكن دفاعى عن أهمية هذا الموقع يعود أننى واقع في غرامه مثلا، بقدر ما كنت منهزما حضاريا تجاه الغرب! فلطالما كنت أعانى ضعفا مزمنا تجاه هؤلاء الأبطال البيض زرق العيون، الذي أهدوا البشرية المنهج العلمى الذي بفضله تخلصنا من الأوهام التي حكمت رؤيتنا للكون، فاستطاعوا تسخير قوى المادة الكامنة فيه لننعم بثمار الحضارة وتتراكم المعارف الإنسانية. وأتمنى ألا أجد تعليقا- كالمعتاد- ينسب المنهج العلمى إلى علماء العرب في العصر العباسى (وكانوا بمقياس عصورهم نابغين حقا) ولكن هذا حديث يطول، ولعلى أعرض في مقال قادم الفارق بين المنهج العلمى للعلماء العرب وبين المنهج الذي صمّمه بالمناسبة فلاسفة الغرب وليس علماءهم.
خالد، على العكس منى، لم يكن منهزما تجاه الغرب، وإن كان يحترم علماء القرن التاسع عشر إلى حد التقديس ويعتبرهم أبطالا للإنسانية. في العموم كان يرى الفن المصرى القديم أجمل بمراحل من رسامى عصر النهضة! وأن أي أنثى مصرية، بائعة في محل، دبلوم تجارة، هي أكثر أنوثة وليونة من كل حسناوات هوليوود بشعورهن الصفراء (التى تشبه إسهال طفل!) وبشرتهن البيضاء الشمعية! ولكن حديث الذكريات يطول ولعله من الأفضل أن أعود إلى الفيلم في مقال قادم منفرد.
■ ■ ■
الأحد: أجمل ما في الحب أنه يعطيك شغفا بالحياة. تتجمل الدنيا في عينيك وتكتسى بالألوان المبهجة. ويختفى اللون الأسود والرمادى ولو إلى حين. والقلب بدون حب خامد خامل، مسكين مستكين. ينطبق هذا على كل القلوب وعلى كل الأعمار. نحن البشر مساكين حقا بهذه الهشاشة وبهذا الاحتياج الملح الدائم للعاطفة، ولأننا ننكفئ في متاهات الاكتئاب إذا خبت شعلة الحب في قلوبنا. وقتها تصبح الحياة كطعام بارد بائت ماسخ الطعم بدون أي نكهة. مع أن الفارق بينه وبين الطعام الشهى هو بعض من طزاجة، وشعلة من نار، وقليل من توابل ومشهيات.

■ ■ ■

الإثنين: نصيحة للأجيال الجديدة: أيها الشاب إذا أحببتَ فتاة ثم وجدتها لا تحبك! أو أنتِ أيتها الفتاة: لو أحببتِ شابًا وعبثًا ما حاولتِ لفت أنظاره، فنصيحتى محددة وقاطعة: لا تحاول/ تحاولى أن تكتسب هذا الحب أبدًا بالمعاملة الحسنة والاهتمام الودود، فكلها وسائل لا تفلح أبدًا.
حكيم الإسلام على بن أبى طالب حسمها منذ أربعة عشر قرنًا، حين قال بعد تجارب مضنية مع قوم كرهوه بلا سبب، وهو الحريص عليهم المتودد إليهم: «زهدك فى راغب فيك نقصان حظ، ورغبتك فى زاهد فيك ذل نفس».
أى والله صدقتَ يا سيدى الإمام، فالحب إما أن يحدث أو لا يحدث. وإذا افتقدت الكيمياء بينكَ وبين مَن أحببتَها، فلا شىء فى العالم يمكن أن يجعلها تحبك! ثق فى هذا، ولا تستنزف مشاعرك بغير طائل، فالنتيجة محسومة سلفًا. «سى السيد» أراق كرامته على مذبح «زنوبة»، ورغم أنه حقق لها جميع أمنياتها اللاتى لم تكن تحلم بها، حتى عوامة على النيل، فإنها لم تحبه فى أى لحظة! وسومرست موم، ذلك الروائى البريطانى الذى تفخر به بلاده، فشل أن يجذب اهتمام نادلة فى مقهى، رغم أنه أذَلَّ نفسه لها.
قطيعة الحب وسنينه!
■ ■ ■
الثلاثاء: كان الله فى عون المعالجين النفسيين عندما يقرأون أمثال هذه الرسائل المستفزة التى نشرها موقع «مجانين للاستشارات النفسية». سيادتها مدرس مساعد بإحدى الكليات، وزوجها يضربها ضربًا مبرحًا، وصل لحد كسر يدها! وهى مازالت صابرة عليه رغم أنه يسبها ويسب أهلها بأقذع الشتائم وهى لا تخبرهم أبدًا. ويطردها من المنزل ثم تعود إليه كقطة راضية. وحتى ابنهما يضربه ويؤذيه، ثم تتساءل بعد كل هذه الأحوال: ماذا تفعل؟!.
بصراحة لست متعاطفًا معها بقرش واحد! فالمرأة التى تشعر أنها محل للضرب والإهانة تكون مستحقة لما يحدث لها، فالكرامة الإنسانية لا تحتاج لمَن يوقظها. والتعاطف مع أمثالها استنزاف للمشاعر لا تستحقه، فلأَصُنْ غضبى لمَن يستحقه.
■ ■ ■
الأربعاء: هل تعرف متى تكون محظوظًا بحق؟ عندما تعتقد داخلك أنك محظوظ. وهل تعرف متى تكون منحوسًا بحق؟ إذا لازمك الاعتقاد أنك فعلًا منحوس. لا يهم إن كان ذلك وهمًا أم حقيقة؟ فالوهم حقيقة إذا اعتقدت صدقه! والحقيقة وهم إذا اعتقدت كذبها. الحقائق المجردة ليست مهمة! المهم هو ما نعتقده ونشعر به فى داخل أنفسنا.
■ ■ ■
الخميس: مثلما كان أبوك يقول لك إنك مُدلَّل وإنك لم تتعب فى الحياة مثله. ستجد نفسك تقول الكلام نفسه لأبنائك وتحكى لهم عن مصاعب حياتك! وهم سيقولونه لأبنائهم. وهكذا.. لا أجد معنى لهذه الدائرة المغلقة من الشكوى المستمرة إلا أن المصريين اعتادوا الحرمان و«تطليع عينهم»، حتى آمنوا وآمن حكامهم أنهم تعودوا على الشقاء ولا يستحقون الأفضل.