يوميات أسبوع 14


الجمعة: شاهدت فيلم (Knives out) وهو فيلم رائع حقًا وأنصحكم بمشاهدته. على أنه استوقفتنى هذه اللقطة: الجد العجوز أوصى بثروته جميعًا للممرضة التى رعته فى أيامه الأخيرة. كان قلبها طاهرا وقد أحبها حقا. وكما تتخيلون أُصيبت الأسرة بصدمة، تبين فى نهاية الفيلم أن هذه الوصية المشؤومة كانت هى الدافع لقتله، وهو أمر يسهل تصوره لو عرفتم أنها كانت ثروة طائلة حقا. ستون مليونا من الدولارات وشركة ناجحة وبيت متسع فاخر. وبالطبع، أثارت الوصية عاصفة من الحقد والجنون لدى أفراد الأسرة المصدومين. لكنها القوانين الغربية التى تمنح للمرء حق الوصية بماله كيفما شاء! لمؤسسة خيرية أو لقطة يحبها أو لأحد أبنائه. وهو تصوّر مستمد من نظرة الغرب للحياة: الإنسان هو سيد نفسه، والمالك الحقيقى لماله. وهو الذى اكتسب هذه الثروة ويحق له أن يفعل بها ما يشاء.
عندنا فى قوانين الإرث الإسلامى الأمر ليس هكذا. لا يحق للمرء أن يتصرف فى ميراثه بهدف الإضرار بأحد الورثة الذين تم تحديد أنصبتهم سلفا من الخالق، مصداقًا للآية الكريمة (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّه). ولكن أباح الله للمرء الوصية فى حدود الثلث لمن يشاء. انظر إلى قول المصطفى عليه الصلاة والسلام (لقد تصدق الله عليكم بثلث مالكم). توقفت طويلا أمام هذه الحكمة النبوية الشريفة. (تصدق)! وهذا ليس مستغربًا. ففى القرآن أن الإنسان ليس مالكا نفسه، ولا مالك المال أيضا، بل المال مال الله (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ) ونحن مستخلفون فيه فقط، وسنُحاسب عليه حسابا عسيرا (لطفك يا رب). أما الثلثان الباقيان فيذهبان للورثة حسبما حدّد الشارع، ويبطل القضاء أى تصرف ينطوى على غبن للورثة الآخرين، حتى لو شاء الميت ذلك بتحايل (كالبيع صوريًّا).
لا شك عندى مطلقًا أن التشريع الإلهى أحكم بما لا يُقاس. بل لا يوجد وجه للمقارنة. لأنه يستل الأحقاد والضغائن من قلوب الورثة، ويحفظ صلة الأرحام التى وصفها الله تعالى فى كتابه العزيز (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ). وكما قال العقاد بحق ردًا على اعتراضات الشيوعيين بشأن الميراث من ناحية المبدأ (إن المرء يرث من والديه الجينات والمزاج النفسى ويتأثر بتربيتهما له فى سنوات الطفولة الأولى!.. فكيف يُحرم من مال الذى قد يكون تعويضًا له عند أمراض ورثها؟).
■ ■ ■
السبت: عندما يقولون إن كورونا قد تفنى البشرية، فإننى أقول ضاحكا (مع ألف سلامة). أشعر بلذة صبيانية من فكرة أن فيروس كورونا سيفنى البشرية، بعد أن شبع العبد لله من الحياة، وأوشك على مغادرتها فى كل الأحوال. وكأننى طفل رذل يأخذ الكرة معه وهو ينصرف من الملعب، بمنطق (طالما مش لاعب فلن يلعب أحد غيرى!).

■ ■ ■

الأحد: حب الكبار للاستقرار لم يأتِ من فراغ. وإنما من التجارب المتكررة فى حياتهم، التى تؤكد لهم أن التغيير يكون غالبًا للأسوأ. إذا تم إغلاق طريق ما لإصلاحات فيه، فغالبًا بعد انتهائه ستجد الأمر أسوأ «مصر الجديدة مثالًا». وإذا تغير مديرك فى العمل فأغلب الظن أن القادم أصعب، ولو فى الفترة الأولى، حتى تفهم طريقته فى الإدارة وتتكيف معها. وحتى على مستوى الوطن لم يأتِ عصر جديد قط إلا وكان أسوأ من السابق. ألم ترَ إلى الناس يتحسرون على أيام مبارك، وغفروا له كل أخطائه القديمة! وفى أيام مبارك حلفوا بأيام السادات، وقالوا إن مَن لم يصبح غنيًا فى عهده فلن يصبح غنيًا أبدًا! وأيام السادات كان الحنين إلى سياسات ناصر الاجتماعية المناصرة للفقراء، ونسوا الهزائم والقمع الديكتاتورى. وأيام جمال حنّوا إلى رخاء العهد الملكى رغم فساد الطبقة السياسية.
الشاهد فى الأمر: أيها الشباب لا تلوموا الكبار، فهذه هى حصائد تجربتهم.
■ ■ ■
الإثنين: لاحظت من خلال مشاهدة الأفلام الأمريكية أنهم ينامون غالبًا عراة! فهل يجلب هذا الاسترخاء ويساعد على النوم أم ما السبب؟.. ذكّرنى المشهد بحكاية طريفة لزميلى، صديق العمر، الشهير بـ«الشيخ أشرف»! صديقى هذا وسيم الملامح إلى درجة مستفزة «ولا عجب فهو خليط من العرق التركى والمغربى والمصرى»، وهو أيضًا متدين جدًا. فى عطلة السنة الأولى من كلية الطب سافر خلال برامج تبادل الطلبة إلى إيطاليا. وهناك وجد نفسه فى غرفة واحدة مع طالبة سويدية ليفاجأ بها تخلع ثيابها تمامًا قبل أن تندس فى فراشها. لا تذهب أفكاركم إلى شىء آخر، فالبنت فعلًا لا تقصد شيئًا، وهذا هو المعتاد فى ثقافتها. أسرع «الشيخ أشرف» مولولًا لتغيير الغرفة، فوضعوه مع شاب أوروبى، وجده هو الآخر ينام عاريًا وفى حضنه الجيتار وزجاجة المنكر! فما كان من «الشيخ أشرف» إلا أن ركب أول سفينة عادت به من إيطاليا إلى أحضان طنطا الحبيبة، لنجده بيننا، قبل مرور أسبوع واحد، فارًّا بدينه، ونتندر عليه حتى يومنا هذا!.
■ ■ ■
الثلاثاء: لا يوجد تناقض فى هذه العبارة: الثياب القصيرة المغرية تشجع على التحرش. والمتحرش مجرم لا عذر له بالثياب القصيرة المغرية.
■ ■ ■
الأربعاء: أستغرب جدًا من هؤلاء الذين يظنون أن «فلاحين» سُبّة مهينة تُستخدم من قبيل التحقير. فلاح مشتق من «فلح»، وكلنا نسمع الأذان كل يوم خمس مرات «حَىّ على الفلاح». الفلاحون هم- مع إخوانهم العمال- القوة الحقيقية المنتجة فى بلادنا وفى العالم كله. وهم مَن يطعموننا، فكيف بالله نحتقر مَن يطعموننا!؟ يا ليتنى كنت فلّاحًا! هل هناك ما هو أجمل من أن أُطعم غيرى؟!.
■ ■ ■
الخميس: تجارب العمر لا يستفيد منها إلا صاحبها. وغالبًا لا يستفيد منها هو الآخر!.