يوميات أسبوع 13


الجمعة: يتحرج البعض من إبداء مواقف جديدة تناقض مواقفه السابقة. قد تكون هذه المواقف سياسية، وقد تكون اجتماعية. لكنى لا أرى حرجًا في هذا طالما كنت صادقا مع نفسك قبل وبعد التبديل. فالصدق بكل أحواله سبيل النجاة. ألم تر إلى قوله تعالى (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ). فلا تخشَ تبديل آرائك إذا رأيت بطلانها، ولا إعلان رأيك الجديد.
■ ■ ■
السبت: الحسناء تريد الانتقام من قتلة أبيها الذين شاهدتهم- وهى طفلة مختبئة في الخزانة- وهم يقتلونه بلا رحمة. لكنهم رجال عصابات أشداء. لذلك لجأت إلى هذا الجبل الآدمى من العضلات «سلفستر ستالونى». في البدء أبدى ممانعة في قتلهم بدعوى أنه اعتزل، لكنه حين تتبعهم وجدهم أوغادًا بمعنى الكلمة. المادة الخالصة للشر والوضاعة. لذلك أصبح الأمر شخصيًّا بالنسبة له. ولم يكن ذلك صعبًا عليه، إذ إنه في الأصل خبير محترف في المتفجرات!.
شاهدت الفيلم مستمتعًا وهو يحق الحق بقبضته، ويحمى النساء والمستضعفين بقوته، ويضرب الأشرار بلا رحمة، مثلما اعتدت أن استمتع بمشاهدة هذه النوعية من الأفلام.
فكرة القوى الأمين، ولو في الخيال، تخاطب شيئًا في نفوسنا التي تعبت من انتصار الأشرار في الواقع معظم الوقت. ما أجمل أن ترى الأشرار وهم يتعذبون في الدنيا! وما ينتظرهم عند الله أسوأ وأمرّ!.
■ ■ ■
الأحد: سمعت شيخًا شهيرًا يبرر حد الردة بأن المرتد قبل أن يدخل الإسلام كان يعلم أن الردة يترتب عليها القتل! وبالتالى كان عليه أن يفكر جيدا! والحقيقة أنه رد تقليدى يمكن تفنيده بسهولة، وهو أنه إذا كان هذا صحيحًا لمن اعتنق الإسلام فماذا عن الذي وُلد مسلما وهم الأغلبية الكاسحة من المسلمين؟!.
في رأيى القصة ليست هكذا: لو كان حد الردة منصوصًا عليه في القرآن لوجب علينا أن نطيع ونسمع، فلم يعد بعد حكم الله من رأى!، لكن المشكلة هي أن تُراق الدماء بحديث آحاد، لم يبلغ التواتر (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّب الزَّانِى، والنَّفْس بِالنَّفْسِ، والتَّارِك لِدِينِهِ الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ)!.. بل يخالف مئات الآيات في القرآن التي تنص على حرية العقيدة ولا ترتب عقوبة على المرتد في الدنيا. وكذلك يناقض السُّنة العملية المؤكدة أنه كان حول النبى منافقون يعلم الرسول كفرهم، ومع ذلك لم يتخذ صوبهم أي إجراء!.
الشيخ أبوزهرة أصر على أنه لا رجم في الإسلام، لكنه- على حد علمى- لم ينف حد الردة، مع أنه يجمعهما حديث واحد! وما ينفى الأولى ينفى الثانية. بل أكثر من ذلك: الأدلة على نفى قتل المرتد أكثر بمراحل من أدلة نفى الرجم!.
■ ■ ■
الإثنين: هناك شىء مذهل يحدث فى كليات الطب حاليا: استقالات متتابعة لشباب الأطباء من وظائف طبيب مقيم بالمستشفيات الجامعية، والتى هى- للعلم- ذروة الوظائف بالنسبة لخريجى الطب، كونها تتيح أرقى تدريب ممكن، وسرعة الحصول على الماجستير والدكتوراه، والأهم أنها الباب الوحيد ليصبح فيما بعد أستاذًا جامعيًا. لقد وصل الأمر لدرجة خلو تسع نيابات كاملة فى قسم واحد، نتيجة لاستقالة نوابها. ناهيك عن النيابات التى لم يرغب أحد فى تسلمها لدرجة القيام بجلسة تكميلية، وهذا شىء بالنسبة لأجيالنا يشبه الخيال العلمى.
للمعلومية هذه الوظائف- التى صار الأوائل يزهدونها- كنا نتنافس من أجلها ذلك التنافس الذى يدعوه الإنجليز (قاطعا للرقاب)!.
والأسباب واضحة ويعرفها الكل: تدنى الرواتب فى الجامعة ووزارة الصحة!.. استباحة الأطباء فى المستشفيات وضربهم بعد هجمة إعلامية وصمت من الدولة!.. وزيرة صحة لا تبالى بطبيبات فقدن حياتهن الغالية بعد إجبارهن على سفر غير آمن.. فتح الأبواب أمام الأطباء المصريين للعمل فى أوروبا، وطموح الشباب الذى يمتلك أدوات العصر. فلماذا يرضى بالهوان فى بلد لا يقدره ولا يحترمه؟!.
إننى أحذر من لا يبصر غرابة الوضع وتداعياته القادمة فهو أحمق ولا ينظر إلا تحت قدميه. لقد كنا نتصور أن مصر بها زيادة فى الأطباء، ثم حدث نقص مريع فى تخصصات بعينها، تخصصات تعنى الحياة والموت، كالطوارئ والتخدير، والآن مصيبة قادمة تتمثل فى مستشفيات لا تجد أطباء يعملون بها، ومرضى لا يجدون من يعالجهم، ما لم يتم تغيير أحوال الأطباء بشكل جذرى.

■ ■ ■
الثلاثاء: الحوار الذى دار بين شيخ الأزهر وبين رئيس جامعة القاهرة قرأته كالتالى: الطيب يبعث برسالة بأن الأزهر لن يذعن لأى ضغوط بخصوص مراجعة خطابه الدينى. أو تغيير الأصول العقائدية التى شكّلت عقل الأزهر. وأنا أوافقه- من حيث المبدأ- فى تلك الممانعة كل الموافقة. لكن- من الناحية الموضوعية- هناك عدة أسئلة تستلزم الإجابة عنها.
أولا: هل توجد مشكلة فعلًا فى الخطاب الدينى؟، وما مدى مسؤولية الأزهر عنها؟، ثانيا: هل هناك علاقة بين تردى أوضاعنا الحالية وهذا الخطاب الدينى؟ وثالثا: هل يوجد فى التراث- كما يرى الطيب- آليات إصلاحه فعلا؟.
كما ترون الموضوع مركب، وبحاجة إلى مقال مستقل.

■ ■ ■
الأربعاء: صفقة القرن!، تذكرت قوله تعالى (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ). وتذكرت أيضا أن فلسطين هذه التى يتصارعون عليها قامت عليها ممالك صليبية لأكثر من قرنين، ثم ماذا حدث بعد ذلك؟.. عادت لأهلها البسطاء الطيبين!، وستعود فلسطين لأصحابها الطيبين ذات غدٍ بعيد!، لكننا لن نكون موجودين لنشهد هذا الفرح.

■ ■ ■
الخميس: قالت لى: «يا ريت كل الناس زيك». قلت لها فى صدق: «لو كل الناس زيّى كان زمانها خربت. الحمد لله أنه لم يجعلهم مثلى».