يوميات أسبوع 12

الجمعة: إذا سمعت أحدهم يشتكى من انطفاء الشغف، أو أي مشكلة أخرى وجودية فاعلم أنه غالبا مستريح ماديا. فالكادحون في الأرض ليس عندهم البال الرائق لهذا الهراء. كيف يمكن أن يفكر رجل ينتقل من ميكروباص لميكروباص، من أجل وظيفة يعلم مقدما أن راتبها لن يكفى لإطعام أطفاله، أن يفكر في شغفه القديم، والتى تحول بفعل الحاضر الضاغط إلى البقاء يوما بيوم.
وكما أن الجوع أعظم مشهيات الطعام، فإن الإرهاق أفضل علاج للمشاكل النفسية. لذلك تجد العمال البسطاء ينامون على الأرصفة في وجه الشمس الملتهب ويستغرقون في النوم حتى لو صرخت جوار أذنه، بينما يتوسل المترفون إلى النوم المراوغ أن يمنحهم بضع ساعات والنوم صعب الإرضاء كعشيقة قاسية. فهل تجد في ذلك عدالة شعرية؟.
■ ■ ■
السبت: جميع الرياضيين حولى في مركز اللياقة البدنية (الجيم) شعورهم سوداء ووجوههم نضرة بدون تجعيدة واحدة. وجوه تلخصها كلمة واحدة سحرية: الشباب!
ترى: هل يعرفون قيمة الكنز الذي بين أيديهم؟ لا أعتقد أبدا. فالشباب هبة إلهية لا نفطن إليها أبدا في الوقت المناسب. ونخال أن هذه الفتوة حقيقة كونية سوف تلازمنا طول العمر. ونتجاهل ما نشاهده حولنا طيلة الوقت من كبار كانوا يوما صغارا. ثم يدور الكوكب الأرضى دورته المحتومة حول نفسه وحول الشمس، وقتها فقط نعرف فداحة ما فقدنا. ونحاول استرجاعه وهيهات أن يعود ما ذهب أبدا.
إذا أردت عزيزى الشاب / الشابة أن تعرف قيمة ما لديك، فانظر إلى اهتمام كهل لو همست له أن عندك وصفة مجربة تعيده عشرين عاما إلى الوراء! تأمل لمعة عيونه واهتمامه الطارئ! واعلم أنك حتما- في يوم قادم ليس ببعيد أبدا- سوف تلمع عيونك عندما يهمس أحد لك بنفس الخبر!.
■ ■ ■
الأحد: هامت الحسناء بشاب شاهدته يجلس يائسا تحت المطر! استدعته إلى بيتها شفقة به لا أكثر. لم تكن وقتها تفكر في أي اتصال جسدى بينهما. وإنما منحته المأوى وحساء العشاء والملابس الجافة كإنسان إلى إنسان. بالتدريج نشأت بينهما مودة، خصوصا حين استعصم بالصمت والغموض. ولم تكن تدرى أنه يتلاعب بها. وأنه يتظاهر بالغموض والصمت فقط كى يثير اهتمامها. بدأت شرارة الحب تنقدح في قلبها، وصار الشاب سرها الغامض الذي تقطع السهرات من أجله كى تعود للبيت بسرعة.
شعرت بالحسرة وأنا أشاهد الفيلم، لأنه- في الوقت نفسه كان- الكثير من الرجال المهذبين الناجحين يتوددون- دون جدوى- للحسناء مغلقة القلب، شاردة البال، تفكر- طيلة الوقت- في الفتى الغامض.
والمغزى: يصعب الوصول إلى قلوب النساء عادةً بالطرق المباشرة المستقيمة. النساء يستهويهن الرجل المتلاعب، الوغد بالفطرة، خصوصا إذا كان قليل الكلام، غامضا. يتصورن أن ذلك دلالة على العمق، ولا يدرين أي مقلب ينتظرهن.

■ ■ ■

الإثنين: لماذا يتحدثون فى كارتون الأطفال بهذه اللهجة المفتعلة السخيفة؟ ألا يدركون أنهم - بالاستماع إليها - يعلمونهم السخافة.
■ ■ ■
الثلاثاء: مزاجى مرتبط بالكامل بموعد استيقاظى. إذا استيقظت وقد نلت كفايتى من النوم، قمت رائق المزاج مقبلًا على الدنيا كعصفور غَرد. أما إذا اضطرتنى مسؤوليات العمل أو لأى سبب كان للاستيقاظ مبكرًا، فأظل طيلة اليوم متعكر المزاج منطفئًا. السبب فى اعتقادى أن المخ يفرز فى الصباح الباكر - بحكم الاعتياد على الساعة البيولوجية داخله - مواد كيمائية تسبب النعاس!. فما الذى سيحدث فى العالم لو بدأ العمل والمدارس فى الحادية عشرة صباحًا! هل سينهار العالم؟ هل ستنتهى حضارة البشرية؟ ارحموا أصحاب الساعة البيولوجية المختلفة.
■ ■ ■
الأربعاء: راحت تشكو لى من ارتفاع سعر العقارات الجنونى فى الإسكندرية، خصوصا وهى تبدأ خطواتها الأولى فى العمل والحياة. قالت لى: «لقد شاهدت بالأمس شقة فى لوران تُباع بستة ملايين جنيها! أتصدق؟».
أصابنى الدوار من السعر الباهظ، وقلت بعفوية: «ستة ملايين جنيه فى إسكندرية بكل زحامها! حرام والله. الواحد منا يستطيع أن يدخل الجنة بأقل من هذا المبلغ».
وكأنها تعجبت من كلامى، فقلت: لو تصدق إنسان بعُشر هذا المبلغ لوجه الله، فإن شاء الله سيدخل الجنة! ومع ذلك قليلٌ مَن يفعل!».
استطردت مفسرًا: إن الله يقبل منا أقل القليل فى الدنيا، ذلك أن الإيمان فى الدنيا غيب. نحن لم نرَ جنة ولا نارًا، ولا شاهدنا ملائكة ولا ملأ أعلى. لذلك يقبل ربنا الكريم أقل شىء نفعله ويسامحنا بمجرد الاستغفار. أما بعد أن ينكشف الحجاب ويصبح الغيب واقعًا، فكل أموال الدنيا لن تجعلك تفلت بعنقك!، لأن الأمر الآن لم يعد غيبًا! لقد شاهدت الجحيم وهى تستعر. وشاهدت الجنة وهى تتزين.
ولعل ذلك هو السبب الذى جعل الله يطرد إبليس من رحمته عندما عصى أمره!، لأنه عاين بأس الله ولم يكن الأمر - بالنسبة له - غيبا.
والغيب له معاملة مخففة. لذلك أعجب من غباء الناس حين يطلبون المعجزات وهم لا يدرون أنهم - بطلبهم هذا - يهلكون أنفسهم. إن المعصية بعد الآية الخارقة لا تُغتفر!، ألم تر إلى قوله تعالى للحواريين عندما طلبوا من المسيح عليه السلام مائدة من ربهم (قال الله إنى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين). لأنهم - بتحقيق ما طلبوه - لم يعد الأمر بالنسبة لهم غيبا. وبالتالى صار حسابهم فى غاية الصعوبة.
■ ■ ■
الخميس: أحسد القطط التى تسير خالية البال من الهموم التى تعصف بسَكينتى!، تعيش حياتها بأكملها دون أن تملك شيئا. أنت سيد المخلوقات ولكن فى المقابل هناك ثمن باهظ تدفعه من الهموم التى تملأ رأسك، فلكل شىء ثمنه.