يوميات أسبوع 10

الجمعة: الصلاة مثال قوى جدًا للعمل التراكمى، فهى من نوعية الأعمال التي يصعب قضاؤها لمَن تركها لفترة طويلة. لذلك أنصح الأجيال الجديدة بالمحافظة عليها لأن لها الأولوية القصوى في العبادات بعد شهادة التوحيد مباشرة، وأُذكِّركم بأن الرسول، «ص»، قبل من «ثقيف» إسلامهم بدون زكاة ولا جهاد، لكنه عند الصلاة قال بحسم: «لا خير في دين لا صلاة فيه».
فتصور أيها الشاب العشرينى ماذا لو مد الله في عمرك خمسين سنة أخرى، وهذا متوقع مع متوسط الأعمار في هذا الزمان، ثم أدركك الندم على صلاتك التي ضيّعتها. تخيل معى خمس صلوات يوميًا، والسنة 365 يومًا، لمدة خمسين عامًا، لتدرك مقدار صعوبة قضائها!
لذلك أنصح صغار السن بألا يضعوا أنفسهم في هذا الموقف الصعب ويبدأوا من اليوم.

■ ■ ■
السبت: إن أغرب الأشياء بالنسبة لى اعتقاد البعض في الأبراج، وأنهم يسلكون صفات مشتركة للمولودين في برج يبلغ تعداد البشر في كل واحد منه مئات الملايين! طبعًا ناهيك عن «حظك اليوم»، الذي يفترض أن يعلم فيه المنجم الغيب، ولو كان أحد يعلمه لصار أغنى أغنياء البشر! ولكنها الخرافة حين تجتمع مع سهولة التصديق بغير بينة مع القلق من الغد المرهوب.

■ ■ ■
الأحد: طلاق المطربة المعروفة بعد قصة حب تُوِّجت بالزواج أعاد إلى ذهنى تساؤلات مزعجة: لماذا تفشل قصص الحب غالبًا، فيصبحان غريبين، بعد أن كانا حبيبين، مع مرارات لا تنقضى؟ وهل الخطأ فينا حين نفترض ديمومة الحب على عكس الكائنات التي تنتهب لذتها وتمضى؟، وهل صدق «حكيم دار المشرق» حين قال لـ«قنديل العنابى»، في رواية «ابن فطومة» لنجيب محفوظ: «كل علاقة عابرة، ولا شىء يدوم في الحياة، فهى إلى محاق تسير»؟!.

■ ■ ■
الإثنين: هاجمنى عند غروب الشمس حزن غامض لا أجد له تفسيرًا. لا أدرى إن كان هل بسبب الغروب المبكر في ليالى الشتاء الطويلة؟ أم أن هشاشتى كإنسان تجعلنى عرضة لهجوم الحزن لأسباب لا أدريها. هش إلى حد يصعب تصوره! أو ربما كان العيب فىَّ. بأمانة لا أدرى!.

■ ■ ■
الثلاثاء: كل عام في موعد الأعياد المسيحية تُثار النغمة المعروفة بأنه لا يجوز لك أن تهنئ المسيحى لأن اعتقاده في المسيح عليه السلام مخالف لاعتقادك كمسلم، وأنك- بتهنئته- تقره على عقيدته؟ مَن الذي قال هذا الهراء وبدأ المغالطة المنطقية. ومَن قال إن التهنئة- وهى عمل من أعمال الود والتحبب- إقرار على عقيدة؟ وهل يتصور المسيحيون ذلك أم أنهم يفهمونها على حقيقتها بأنها نوع من التودد والمجاملة؟ وهل إخوتنا المسيحيون حين يهنئوننا مشكورين بعيدى الفطر والأضحى يقرون عقيدتنا؟.
الخلاصة أنك حين تبدأ من مقدمة خاطئة فلا بد أن تكون النتائج كلها خاطئة.

■ ■ ■
الأربعاء: أصابنى حزن غامض بعد انتقام إيران الهزيل. لا أعنى أننى كنت سأكون سعيدًا لو أمعنت فى ردها الانتقامى، لأننى لا أريد الدمار لشعبها وللمنطقة، وأعلم فارق القوة المهول بين قارة متنكرة فى صورة دولة (أمريكا) وبين دولة محاصرة محدودة الإمكانيات كإيران.
الحقيقة أننى حزين لأسباب أخرى. الضحايا الأبرياء لحروب المنطقة بالملايين. واعتقاد كل طرف أنه على الحق المبين! والإيرانيون الذين ماتوا فى تدافع لا معنى له فى جنازة قاسم سليمانى، ليثبوا للمرة الألف أن الجماهير يسهل حشدها، وأنه لا اعتبار لأرواحهم عند حكامهم! وما كانوا أبدًا ليحتشدوا لولا الحشد الإعلامى والمتاجرة بالكربلائية الحسينية.
وحزين أيضا على إيران الطائفية، وغير راضٍ عنها ولا عن ملاليها. ولا أنا راضٍ أيضا عن السنة. وحزين جدا لتشرذم المسلمين لخلافات تاريخية مات أبطالها منذ أربعة عشر قرنًا، ومازال ينفخ فى كيرها الدعاة المتطرفون.
وحزين لأن القوة تنتصر دائما. والعدل راية منكسةوحزين لأن العالم لا يفهم سوى لغة القوة، تلك التى لا نملك شيئًا من أسبابها. وحزين لأن فرصتنا الوحيدة فى اللحاق بالعالم المتقدم ضيعناها بعد أن فشلت الثورة التى كانت تعدنا بالمساواة والكرامة. وحزين لأن المستضعفين هم أول من يسلمون من أرادوا تحريرهم. وحزين لأن العالم مسرح دموى يأكل فيه القوى الضعيف.
لكن مقابل كل هذا الحزن متعدد الأسباب يوجد يقين لدىّ بأن هذا الكون يدبره إله عادل، وأنه لا يرضى أبدًا بكل هذا الظلم. وأنه سيأتى حتما يوم يقتص فيه من الظالم وينتصف فيه للمظلوم. والحياة قصيرة وقد أوشكت على نهايتها (على الأقل بالنسبة لى). كلى أمل. كلى إيمان.

■ ■ ■
الخميس: «خذها على القارب وأغرقها بالكلام المعسول، فالنساء يصدقن أى شيء يُقال لهن فى الماء». هكذا نصحه صديقه الدونجوان بعد أن لاحظ جدار الجليد القائم بينه وبين صديقته!.
«لامور» القصة المكررة الممتعة: رجل استيقظت فيه غرائز الصياد، وفريسة يسعدها أن تكون فريسة، وتتمنى أن يبذل الصياد جهدًا أكبر ليشعرها أنها مرغوبة وأنها مطلوبة وتستحق!.. القصة التى تكررت منذ بدء الخليقة ملايين المرات، ومع ذلك لا نمل تكرارها ونسعد كلما شاهدناها تحدث أمامنا، جيلًا من بعد جيل!.
لكن الفتاة، رغم تعطشها للحب، فقد قالت فى لحظة حكمة مفاجئة: «ليس نُبلًا منك أنك تغرقنى بالكلام المعسول لكى تجعلنى أتعلق بك! صحيح أننى أعلم أنك الآن تكذب، وأنى- بالنسبة إليك- لست أكثر من لعبة، وأننى سأكرهك فيما بعد. ولكننى - أيضا - غبية وأريد أن أصدق ما أسمعه كسائر البنات!».
وارتج عليه بعد أن انكشف أمامها تمامًا وصار عاريًا من الداخل! ولم تدر هى أنها أنقذت نفسها - بحق - من مصير مظلم.