يوميات أسبوع 8

الجمعة: شائعة وفاة «آلان ديلون»!، الرجل الذي كان يُضرب به الأمثال في الوسامة في أجيالنا! لم أشعر بأى أسف طبعا، فالرجل قد استوفى حظه من الدنيا، إذا كنت سأشعر بالأسف فعلى أمثالى من الغلابة المهذبين!
كقاعدة لم أشعر قط بالأسف على أي شخصية عامة. حاولت أن أفسر ذلك فوجدت أن الحزن الحقيقى إنما يكون على هؤلاء الذين ارتبطنا معهم بعادات، ومن أصعب الأشياء- كما تعلمون- قطع العادات. أذكر لوعتى عند وفاة أمى وأخى ياسر، وكيف صار منزل طفولتى شاغرًا فجأة، وكففت أن أذهب إليه بعد أن كان قبلتى كل مساء! أو عند وفاة صديق العمر أحمد خالد توفيق بعد أن كنا نتبادل الاتصال اليومى فتشيع أمسياتنا بالدفء والمودة! هذا هو الحزن الأليم بحق، الذي ينتزع القلب- كما خلع الضرس- من جذوره.
■ ■ ■
السبت: منذ عشرين عامًا ذهبت إلى الشيخ الجليل معزيًا في وفاة ابنه إثر حادث أليم.
وجدته منهارًا فلم أنكر عليه ذلك. كان الله في عونه. لكنى ارتبكت حين قال في سياق حديثه (الشر الذي ابتلانى الله به). قلت في غير وعى: (كل ما يفعله ربنا خير). فأجاب في إصرار (بل شر). ثم تلا قوله تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).
التزمت الصمت، أولاً كيلا أزايد عليه، كان الله في عونه. ومن يده في الماء ليس كمن يده في النار! وثانيًا لأنه- بالقطع- أكثر منى علمًا وأقوى حجة. ولكنى لم أخل بعدها من الإحساس بعدم الارتياح له.
■ ■ ■
الأحد: أشد ما يدهشنى في المسؤولين حيويتهم الزائدة. أن تستيقظ في السادسة صباحًا، ثم اجتماعات لا تنتهى، وقرارات يجب حسمها. (وقرصة أذن) محتملة في أي وقت من الرئيس. وسفر وعمل، وذهاب وإياب، ومكالمات هاتفية لا تنقطع. إن لم تكن هذه الحياة هي الجحيم بعينه فما هو الجحيم؟! والعجيب أن أغلبهم ميسورو الحال، فلماذا يضحون بالسكينة وراحة البال وممارسة الهوايات على مذبح السلطة؟ مع أن النهاية واحدة لجميع البشر. يغور النفوذ، بل وتغور الدنيا كلها، إذا صاحبها كل هذا التعب!.
■ ■ ■
الاثنين: انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى خطاب يوصى بتعيين نواب زائرين بدون أجر في أحد المستشفيات الجامعية. هذه- للعلم- معروفة منذ أيامنا، ويتهافت عليها الأطباء الشبان، بل وتحتاج واسطة للقبول. والسبب أنهم يتعلمون وينالون الماجستير بنفس سرعة وتوقيت نواب الجامعة الأصليين. وبالتالى يضحون براتب ثلاث سنوات (والذى هو في كل الأحوال ملاليم) من أجل اختصار سنين من مستقبلهم والتعلّم بشكل أفضل. وقد تنفتح أمامهم فرص في التعيين الدائم بعد الماجستير في المستشفيات التعليمية.
أقولها لمحاولة الفهم والإحاطة بأبعاد الموضوع، وليس دفاعًا بالطبع عن السخرة التي هي قاعدة في التعامل مع شباب الأطباء.
■ ■ ■
الثلاثاء: أشعر بالغيظ الشديد من أى شاب أو فتاة، يكتب رثاءً لأمه أو لأبيه، ويسكب الدموع الحارة على مواقع التواصل الاجتماعى!. ببساطة لأننى أعرف جيدًا أن أغلبهم لم يكونوا بارين بوالديهم فى حياتهم. ولو كانت عندهم أدنى درجات الصدق مع النفس لوفروا دموع التماسيح تلك، لأن هذه الدموع لا تفيد المتوفى، بل تفيدهم هم كنوعٍ من التطهر وتحسين صورة الذات. حتى يثنى الأصدقاء عليهم، وتنقلب إلى حفلة شكر لك أنت على وليمة من لحم أمك وأبيك. من فضلكم: من يُرِد التعبير عن حبه لوالديه إما أن يفعلها الآن فى حياتهما، أو يصمت إلى الأبد. آباؤكم وأمهاتكم يشحذون اهتمامكم وعواطفكم بالمعنى الحرفى للكلمة.. الآن، وليس بعد أن يرحلوا عن عالمكم المزيف يا أوغاد.

الأربعاء: هذه الفقرة فى كتاب الشريعة التى تُدرّس لطلبة الحقوق وقرأتها بنفسى: (ويشترط لانعقاد الزواج أن تكون من بنات آدم، إذ لا يجوز العقد على الجنية أو إنسان الماء لاختلاف جنسهما عن جنس الإنسان).
أقول بوضوح إننى لا أجد وصفًا لها إلا باعتبارها إهانة للإسلام!. وإلا فهل تجد تفسيرًا آخر لوجودها فى كتب الشريعة بالقرن الواحد والعشرين!. للمرة الألف، أطالب بتطهير الفكر الدينى من فقهاء عصور الجمود والتخلف، والعودة إلى كتاب الله عز وجل، الذى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).

الخميس: جين فوندا، هذه الممثلة العجوز التى تشى ملامحها بحسن غابر، شاهدتُها فى فيلم قديم عام ١٩٦٧ مع صاحب الوسامة المستفزة (ريد فورد) عقدتى فى الحياة. تلعب دور (العروس الشابة المتحمسة). بينما زوجها المسكين مشغول ببناء مستقبله وقضيته الأولى له كمحامٍ. وهى من النوع المتهور الذى تختار شقة فى أعلى بناية دون مصعد لمجرد أنها راقت له. ويقضيان ليلتهما الأولى والمدفأة معطلة والسقف مثقوب دون أثاث فى المنزل، رغم أن الجو قارس البرودة. ولكن جنون الحب وحماسة الشباب ورغبة التجربة تجعلها لا تبالى إلا بمغازلة زوجها. وهى من النوع الذى تريد منه أن يمشى حافيًا على الثلج فى درجة حرارة (- ٨) ثمانى درجات تحت الصفر، وإلا فإنها تغضب منه. وعليه أن يجاريها فى نزوتها، فيقومان بجولة نهرية فى مساء فبراير القارس. بينما الرجل المنهك من الجرى وراء لقمة عيشه طيلة اليوم فى المحاكم لا يريد شيئًا سوى أن يُترك وشأنه.

شاهدت الفيلم بابتسامة خفيفة، وإن كنت أدرك تمامًا أن مثل هذه العروس كارثة مهما كانت ساخنة وجميلة!، وسوف تستنزفه نزقًا وجنونًا، ولن يهدأ حماسها ولو بقنبلة ذرية.
ولكنى عدت أقول لنفسى: من يدرى.. أنت تحكم بمقاييس الكبار وهما شابان صغيران يبدآن حياتهما، وللبدايات روعة، ولعلهما سعيدان هكذا بجنونها ونزقها!.