أسئلة كثيرة

لا أحد يذكر لحظة ميلاده.. لكن الجميع يذكرون قصة حبهم الأولى.

أما عني أنا فليس لدي الكثير لأحكيه..فقط عندما رأيتها أحببتها.
……………………………………………………………..
كانت أعجب صداقة تنعقد عراها بين غريمين كلاهما يعشق ذات الفتاه ..لكن أحدا منهما لم ينل وصالها بعد..جميعهم في سن الزهور على أعتاب العشرين..زملاء في كلية واحدة..اعترف كل منهما لصاحبه أنه متيم في هواها..وتمازجت روحاهما واشتدت الصداقة بينهما بعد هذا الاعتراف ،وكان أعجب ما في الأمر أن أحدا منهما لم بشعر بالغيرة من صاحبه..لقد كانت لكليهما حلما جميلا فأي ضير أن يحلم به اثنان؟
كان الفتى يصغي إلى صديقه وهو يتلو عليه شعره العاطفي الجميل ..قصائد تدور حولها مثلما كانتا روحاهما تطوفان بروحها .. وكان صديقه حينئذ يغمض عينيه ويتنهد ..كانت تلك هي إحدى لوازمه المألوفة.
ومرت بهما كالحلم الجميل..مثل روح الربيع تهمس للأرض بالسر فتستجيب بالورود والأوراق ، هل كانت تدري أنها محور حديثهما الهامس؟..هل كانت تلك الابتسامة الجانبية وهما أم حقيقة؟
أسئلة..أسئلة كثيرة.
……………………………………………………………………
النور غاية وجودكم أيها البشر ولكنه هو سر وجودي ذاته.
كانت الشمس تتحرك عبر الأفق وكنت أولد ..ثم اكبر واكبر ..أتمدد منساحا على الأرض حتى أوشكت أن أغدو عملاقا.وفجأة أبصرتها.
كانت تولد على استحياء..مضيت اتأملها في انبهار..كانت تشعر بذات الحيرة التي أشعر بها..أحببتها وكانت صغيرتي كثيرة الأسئلة.
همست لها قائلا:
-مرحبا بك
قالت في دهشة
-مرحبا بمن؟
-بك أنت .
-ومن أنا؟.
-أنت..أنت.
-أنا خائفة.
-تخافين وأنت معي؟(قلتها مستنكرا).
 -أخشى أن تتركني وترحل.
-إياك أن تتحدثي عن الفراق.
-هل تقسم على ذلك؟.
-لست بحاجة إلى انتزاع الوعود ممن اتخذك وطنا له.
……………………………………………………………..
مرت سنوات طويلة .
كان قد صار رجلا في الثلاثين وتزوج من الحبيبة دون صديقه الذي صار ذكرى ،ولم يتبق منه غير بضعة صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود وبعض القصائد الشعرية التي لا يذكرها أحد سواه.
قضى نحبه دون سبب ظاهر ..لم تصرعه سيارة مسرعة ولا داهمه مرض خطير..مات فجأة مثلما يقع المرء في الحب فجأة،
وبكاه الزملاء جميعا لكن أحدا لم يفتقده مثله .
ومضي يتساءل :أتراه كان يغمض عينيه ويتنهد لو كان يعلم أن اجله قد أوشك على الانقضاء؟
أسئلة كثيرة تحيره.
هل أحست الحبيبة (زوجته )بمشاعر صديقه وهل بادلته مثلها؟ ،هل كانت دموعها التي ذرفتها دموع إشفاق أم عبرات هوى؟
لا يدري ويشفق أن يسأل زوجته.
…………………………………………….
كانت الشمس تتوسط السماء ، والحبيبة لا تكف عن التساؤل.
-من نحن؟
-ظلال.
-وأين نحن الآن؟.
-في الكون المتسع.
-متي كان ميلادي؟
-أحدثك عن ميلادي أنا..انه يوم رأيتك.
-وهل ..هل نموت؟
-من ذا الذي يتحدث عن الموت في حضرة الحب.
……………………………………………………..  
سنوات أخرى انقضت ..وأسئلة كثيرة تتوالى.
حينما قضت زوجته نحبها بكاها ولم يكن يبكي في الحقيقة إلا نفسه.
وانه ليتساءل….
أتراهما تلاقيا هناك في عالم الأرواح .. ؟
أتراهما بجانبه الآن دون أن يدري؟
إنه لا يغار..يعلم أن حبهما سيبقي عذريا كعهده..ولعل صديقه يتعجل صحبته ليتلو عليه أشعاره ويغمض عينيه ويتنهد مثلما كان يفعل في الأيام الخوالي .
إنه يناديه .
هو الآخر قد اشتاق إليهما ويود لو يلحق بهما.
كانت رحلة طويلة منهكة ،ولعل الحافلة قد أوشكت أن تصل إلى غايتها.
……………………………………………
-ماذا يحدث؟..إنني أتناقص.
-هو الغروب.
-غروب من؟
-الشمس تغرب وكذلك نحن. 
-هل سأموت؟
-حتما ستشرق الشمس من جديد .
-هو ليس موتا إذا ولكنه ميلاد مقبل في عالم آخر لا يعرف الموت..وداعا أيها الحبيب.
-بل إلى لقاء……