أشرف

القتلة موجودون بيننا طيلة الوقت، لكننا لا نعرفهم. أو ربما نعرفهم ولكننا لا نصدق!
..................
كانت علاقاتنا بأشرف دائما ملتبسة. أهو واحد من الشلة؟ هل نحبه ونرتاح إليه؟ والأهم هل هو يحبنا ويحمل صوبنا مشاعر ودية؟ ما زلت أتذكره كما عرفته في هذه الأيام. طويل القامة، ملامحه عادية وتعبر الذاكرة بسهولة. ولكنها تتحول إلى الشراسة فجأة. كنا مجموعة من طلّاب الطب وكان يحمل صوبنا نوعا من الاحترام الذي كنا نعتبره زائدا، إذ كان طالبا لإحدى الكليات النظرية التي تُفرّغ خريجيها بالآلاف دون أن تعدهم بمهنة واضحة. للأسف لم يوّفق في الالتحاق بوظيفة مستقرة. كان كتوما بطبعه، لكننا فهمنا أنه يعمل بشكل غير منتظم.  
...........
جميعنا عانينا صعوبة البدايات، وبالطبع مرت الأعوام متتالية دون أن نفطن إلى أن تأخذ من أعمارنا وأنفسنا. بالطبع تباعدت لقاءاتنا مع انشغالنا في أعمالنا. وبعضنا بدأ يعرف الطريق إلى المال في عيادته. أشرف بدا مظلم الوجه، صامتا أكثر من اللازم، وإن كان بدأت تفلت منه بعض العبارات غير المريحة. وكأنه يحسد الأصدقاء القدامى على ما يبدو من بشائر مستقبل واعد. وقد كان هذا يقلقنا، لكننا كنا نتجاهل هذه الإشارات. فالمرء حين يشعر أنه كبر، يزداد تمسكه بالصداقات القديمة.
.................
وفجأة تلقينا كروت دعوة فاخرة لزفاف صديقنا أشرف. كانت الكروت مزخرفة أكثر مما يستدعيه الأمر، وسيئة الذوق. فيها لمسة واضحة من التفاخر. والزفاف في أحد فنادق الخمسة نجوم بالقاهرة، الأمر الذي أدهشنا جميعا، وأثار حماسنا لاستطلاع الأمر، وقد بدا واضحا أنه استطاع الحصول على زوجة غنية.
لم تكن تخلو من مسحة من جمال برغم عينيها المستديرتين اللتين تشبهان عيني البقرة، وتلوح فيها طمأنينة راسخة. وقد بدا عليها استعداد واضح للبدانة. وكان أشرف جالسا على مقعده في قلق، وكأنه ينتظر رأينا.
....................
هي امرأة ثرية استطاع أشرف بجسارة اقتحام حياتها حتى أعجبها وتزوجته. مرت الأيام وهي تزداد بدانة وشبها بأبيها الراحل. ولم يلطف قدوم الأبناء من الغضب الكامن داخله والرغبة في الاستحواذ على الثروة وبدء حياة جديدة مع امرأة تعجبه. وبدأت صحة زوجته تسوء، والأطباء عاجزون عن فهم هذه الأعراض الملتبسة ووضعها تحت تشخيص واحد. كل هذا عرفته عندما جاءتني تلتمس النصيحة الطبية. كان هزالها واضحا، وقد بدا أنها قريبة من الموت وإن لم ندر تشخيصها. 
ولولا أنها استحلفتني ألا أخبر زوجها بقدومها بعد أن منعها من استشارتي، لما نحى تفكيري ذلك المنحى العجيب. لكن موقفه بدا مريبا بشدة، ولولاه لما قمت بذلك الإجراء. سحبت عينة من دمائها واحتفظت بها، وقد برقت داخلي فكرة مخيفة. وطلبت منها في هدوء أن تخبر أشرف أنني عرفت تشخيصها.
......................
كانت غضبة أشرف عارمة عندما علم بقدومها إليّ، فيما جلست هي كبقرة أليفة عاجزة عن الفهم لا تدري ماذا يحدث بالضبط. بينما كنت انظر إليه وقد ارتسمت على شفتي ابتسامة صفراء، وفي عيني نظرة من حسم المسألة وامتلك زمام الأمور.
قلت وأنا أواجهه بعيني إن التشخيص الملتبس يستدعي سلسلة من الفحوصات من بينها تحاليل السموم، وقد أرسلت عينة بالفعل في الزيارة السابقة، وهذا هو التقرير.
تجاهلت ارتجاف يديه وقلت بلهجة ذات مغزى:" النتيجة سأحتفظ بها. وإن شاء الله ستكون المدام بخير في الزيارة القادمة. هذا أفضل للجميع".
.....................
سحبها أشرف منكس الرأس متجنبا أن يواجهني، ولم يخامرني شك أنها ستأتيني في المرة القادمة وقد شُفيت تماما.