أسعد رجل في العلم

يسير في طرقات وسط البلد. يتسكع أمام واجهات المحلات. الشمس تفترش الطريق، وتفترش قلبه كذلك. والنسمات الباردة تتخلل شعره وتلثم وجهه. يمشي سعيدا مبتهجا بالصباح. ابتسم وهو يشاهد انعكاس صورته على واجهة زجاجية. ملامحه مبتهجة مفعمة بالتفاؤل برغم أنه بالأمس فقط فقد وظيفته. ما زال ينتقل من وظيفة مؤقتة إلى وظيفة مؤقتة، باحثا عن عمل مستقر يكفل له تكوين أسرة والزواج بحبيبته.
عند هذا الحد أخرج هاتفه الجوال، وشرع يكتب رسالة لها. رسالة تعكس انتعاشه بالحياة. راح يضغط على الحروف وهو يبتسم. يعرف أنها ستبتسم حين تقرأ رسالته. جميل أن يبتسم اثنان معا. 
أتم كتابة الرسالة، ثم ضغط على زر الإرسال. وأمسك بهاتفه الجوال في انتظار الرد. ارتبطا منذ أيام الجامعة. أحبته لأنه كان يُضْحكها، وينقل إحساسه بالتفاؤل. وفي أحلك الظروف لا يتخلى عن الأمل. أيام الامتحانات كانوا يلطمون وجوههم، وهو وحده متفائل سعيد. 
كان يقول لها إنهم محظوظين بالشمس والنهار والأمل، بالحب والشباب والتفاؤل، برغيف الخبز وبفنجان القهوة، بأشياء كثيرة تصنع الحياة. ودائما يسألها: " ألا ترين أنه مهما ساءت الأمور، فإن الحياة تجد مخرجا، والأمور تتحسن في النهاية".
.............
ابتسم أكثر. تحولت بسمته إلى ضحكة صريحة. شاهدته سائحة أجنبية تسير نحو المتحف المصري فضحكت. شاهدهما طفل يضحكان فضحك هو الآخر. انتقلت عدوى الضحك إلى الشارع كله. كان تفاؤله يستفز أصدقاءه. فيقولون له: " أنت مفلس، لم تجد عملا مستقرا، لا تستطيع الزواج بحبيبتك، لا تمتلك شقة ولا حتى جدار فيها، فلماذا أنت سعيد أيها الوغد المحظوظ؟" 
وكان يشير إلى السماء وكأنه يُشْهدها:" طالما قلبي سليم، وأبذل كل ما في وسعي، فإن ربي لن يخذلني. أنا متأكد".
.................
رنّ هاتفه الجوال بما يفيد بتلقي رسالة. قرأ رسالة حبيبته وهو يبتسم. ما أجمل أن يبدأ صباحه بالشمس والحب والأمل. حقا إن الحياة جميلة!.
وفجأة شاهد لوحة تشكيلية في إحدى محال التحف. شدته الصورة فطفق يتأملها مليّا. أعجبته لمسة الانشراح فيها. فتاة ترقص في حقل من الزهور ينسكب عليها ضوء الشمس، والأجمل أن عيونها لها لون عيون حبيبته. دخل المحل وابتاع اللوحة بلا تردد. برغم أن ما تبقى في جيبه لا يكفل له العودة إلا بالحافلة. سيضعها في غرفة الجلوس في بيته الذي لم يمتلكه بعد. هكذا قرر بسرعة.
رفع اللوحة في الهواء وكأنه يثبّتها على الجدار. وفجأة حدثت المعجزة. ارتفع أمامه جدار أنيق. أشار بأصبعه ذات اليمين، فارتفع جدار. أشار بأصبعه ذات الشمال فارتفع جدار، أشار للخلف فارتفع جدار. تكاملت الجدران الأربعة. استقر السقف عليها بثقة. وجد نفسه داخل بيت جميل من الأحلام، يسعهما معا.
جلس على الأريكة تحت اللوحة بالضبط، وراح يكتب رسالة إلى حبيبته. أخبرها أنه أخيرا وجد البيت الذي سيضمهما، وأنه يحبها، وأنه أسعد رجل في العالم.