أسئلة بلا إجابات

في اليوم الأخير من العام الدراسي، تمنّى المُعلّم لتلاميذه عطلة سعيدة. قال لهم وهم يتأهبون للخروج:" والآن هذا هو السؤال الأخير. سؤال  لم يفكر فيه أحد من قبل. وبرغم ذلك فأنا متأكد أنكم جميعا تعرفون إجابته. السؤال هو:" ..............".
راح يصغي في انتباه إلى السؤال. لم يفته بسمات الارتياح وملامح الظفر التي ارتسمت على وجوه زملائه جميعا. ما أن انتهى من سرده حتى تعالى الصخب. وهلّل التلاميذ في مرح:" بالطبع يا أستاذ، كلنا نعرف أجابته". 
ابتسم المعلم في حنان أبوي، وأشار لهم بالانصراف. فراحوا يتدافعون صوب الباب. على أنه وحده صمد في وجه الحشد المندفع، وقال في حيرة:" عفوا يا سيدي، ولكني لا أعرف إجابة السؤال".
لكن المعلم لم يسمعه. ضاع صوته في زحام الأصوات. قاوم أن ينجرف مع الحشد وتضيع الفرصة إلى الأبد. بذل مجهودا جباراً للصمود. صرخ وسط الجموع الحاشدة:" ما هي إجابة السؤال؟ أنا لا أعرف إجابته".
.........................................
عاد إلى بيته وعَزَف عن تناول الطعام. نام وهو يفكر في السؤال المعضلة. بمجرد أن أدركه النوم عرف الإجابة في بساطة ويسر، وأدهشته سهولتها.لكنه بمجرد أن سارع إلى قلمه ليدوّنها وجدها قد تبخرت تماما من ذهنه. نسي كل شيء وأفلتت الإجابة منه. ........
منذ ذلك الحين عانقته الحيرة عناقا أبديا. عزف عن رفقة الأصدقاء والتمس العزلة في الأمسيات المظلمة. وبينما كان  يقترب من منزله لمح شبحين يتهامسان. بالإلهام عرف أنهم يذكرون الإجابة، بمجرد اقترابه منهما كفا عن الحديث.
ومرت الأيام. كان يلوك تفاحة في شرود حينما فطن إلى كتابة في قلبها، كانت الإجابة مكتوبة فيها ولكنه كان قد التهم معظمها فتشوهت الحروف.
ومرة أخرى كان يجلس في ظلام السينما حينما توقف الفيلم فجأة ليجد السؤال مسطورا على الشاشة بحروف حمراء كبيرة وتحتها الإجابة بخط صغير. مضى يفتش عن قلم بسرعة محمومة، وعندما التفت إلى الشاشة وجد الفيلم قد عاد من جديد.
كان الكون يداعبه مداعبة قاسية. حتى الموج  راح يكتب الإجابة على رمال الشاطئ، ثم ينسحب بسرعة جنونية، يطمس الأسئلة، يطمس الإجابات.
.................
مرت سنوات وهو يبحث عن إجابة السؤال اللغز. كان معظم العمر قد ضاع ووخطه المشيب. وفجأة وبينما هو هائم في الليل كعادته، استوقفه رجل لا يعرف اسمه، ودس في يده ورقة قائلا في ثقة:" هاك إجابة السؤال".
شرع يرمق شبح الرجل وهو يبتعد. أخبره قلبه أنها إجابة السؤال فعلا. لكنه – وياللعجب- وجد نفسه عازفا عن قراءتها. وماذا عن بقية الأسئلة؟ وماذا عن أسئلة يستحيل بطبعها أن توجد لها إجابات؟!.
لم يطل تردده أكثر، فتح يده الباردة لتنزلق منها ورقة الإجابة إلى عمق أعماق الظلام.