أنا أحب يسرا

مشكلة! مشكلة كبيرة جدا! هذا الكلام في الحب لا تسمح به يسرا. عيب! عيب جدا. لقد صار حسام يلاحقها أمام التلاميذ الآخرين وأوشك الأمر أن يتحول إلى مهزلة. صحيح أنها في الصف الرابع الابتدائي، وصحيح أن حسام مهذب، سلوكه لا غبار عليه. لا (يتشاقى) كالأطفال الآخرين. ولا يقبل أن يهينه أحد! وتصرفاته منضبطة فيما عدا هذا الشيء السخيف. أنه يحب يسرا.
والمسألة بدأت رقيقة! حسام لا يعبأ ببنات الفصل فيما عدا يسرا. في البدء لم يكن يفضحه سوى عينيه المتيمتين. لكن بدأت تصرفاته تأخذ منحى محرجا. هل تلاميذ الفصل عميان لكي لا يلاحظوا أنه يجمع مناديلها الورقية في حرص؟ وحتى الخشب المبشور عندما تبري القلم الرصاص فإنه يجمعه كالكنوز. لو كان الأمر في الخفاء لربما لم تشعر يسرا بالاستياء! خصوصا أن حسام لطيف فعلا. لم تره يتمرغ على الأرض في معارك الصبيان السخيفة! لم يحاول أن ينتزع (توك) البنات من شعورهن. لكن هذا لا يمنحه الحق أن يظل محدقا فيها لاويا عنقه إلى حيث تجلس كتكوت مصاب في حادثة! هذا شيء يلفت أنظار المستر ويجلب غيرة البنات وتعليقات الأولاد السخفاء.
كانت يسرا تبكي كل يوم، وتقضى الفسحة وحيدة، أو مع صديقتها المقربة، شاعرة بالحنق من حسام الذي صارت تكرهه كالطاعون. ثم حدث الشيء الذي لا يمكن قبوله في مدرسة الراهبات المشهورة بتقاليدها الصارمة، حتى لو كان الأمر يتعلق بأطفال.
الحكاية أن حسام أفندي، صدق أو لا تصدق، تسلل إلى الفصل مبكرا، بينما تدور طقوس طابور الصباح من خلال الميكروفون، وكتب على السبورة بخط أنيق منمق:" أنا أحب يسرا".
هل رأيتم أحمق من هذا؟
الأمر لم يعد (هزار). وإدارة المدرسة طلبت حضور وليّ أمره. ويسرا تقلص بطنها من البكاء. أمها أخبرت والدها. ووالدها شعر بالغضب الشديد. وترنم ببيت الشعر القائل:
"لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ حتى يُراق على جوانبه الدم".
ثم أن لديه عرقا تركيا خاصا بأمه وعرقا صعيديا خاصا بأبيه. البنت شبّبوا بها، وتناقلت القبائل أشعار الغزل. فلتخرج السهام من أكنانها ولتُمتشق السيوف.
وهكذا ذهب بابا إلى المدرسة باحثا عن أحد يقتله! لكنه تهيّب عند دخول مكتب الناظرة (مس ماري). كلنا على كل حال في داخلنا أطفال نرتعد بشدة من الناظرات. خصوصا الصارمات منهن، كمس ماري، الذي يتوجها خصلات شعرهن الأبيض وعيناها الصارمتان اللتان لا تُخدعان. وهكذا أنفثأ غضبه قليلا. وجاء والد حسام هو الآخر معتذرا، يختلس النظر إلى مس ماري الصارمة، وبدا أنه يلعن حسام ومن أنجب حسام.
نظرت إليه مس ماري بعينيها الحازمتين فارتد طفلا في العاشرة يريد أن يهرب بأي طريقة. وهكذا ذهب الجميع إلى الفصل ليشاهدوا آثار الجريمة. كانت يسرا جالسة في أهمية وقد صعّرت خديها. أما حسام الوغد فقد راح ينظر في ثبات وكأنه يُعلن أن الحب ليس بجريمة! والد يسرا حين ألقى نظرة عابرة إلى الفصل فوجئ أنهم مجرد أطفال صغار. وفي لحظة أنفثأ غضبه تماما وضحك. والد حسام أسعفته الضحك فشاركه الضحك بهمة أكبر. وحتى مس ماري، التي لم يشاهدها أحد تضحك أبدا! فقد ضحكت في وقار.
وانتقلت عدوى الضحك إلى الفصل فراح الأطفال الصغار يقهقون بصوت عال وهم يدبدبون بأقدامهم على الأرض، وضحكت أيضا يسرا، وضحك حسام.