أم عاطف

( الخبر: تشاجر الزوج مع زوجته لأنه لا يرتاح لمجيء امرأة فقيرة اسمها " أم عاطف" تساعدها في تنظيف المنزل. وبالفعل استغنت عنها الزوجة مُرغمة تحت إصراره. فيما بعد مر نفس هذا الزوج بظروف سيئة لكنه لم يربط قطّ بين الأمرين).
............
نكتب ونكتب. في الصباح نكتب، وفي المساء نكتب. عن اليمين نكتب وعن الشمال نكتب. لا نكفّ عن الكتابة. حُمُولاً نحملها، أثقالاً نرفعها. أنا الملاك المُوّكل بك، المُطّلع على أحوالك. أعرفك أكثر مما تعرف نفسك. وأحبك أكثر مما تحب نفسك. أيها الآدمي التعس، عدو نفسك. 
أشعر بالحزن عليك والخوف من مصير مُكُفَهرّ ينتظرك. لكن غير مسموح لي بالتدخل. مكتوبٌ عليّ أنني الوحيد الذي لا يستطيع الظهور لك. فقط أُوحي إليك بأفعال الخير. أو أنهاك عن فعل الشر، كالشر الذي تنوي أن تصنعه الآن. أنا لا أعرف الغيب ولكني أعرفك. لا أستطيع التنبؤ لكنني أفهمك. أنا الذي رافقتك منذ مولدك وحتى مماتك. 
أعرف أنك ستدخل منزلك، ستستاء من وجود هذه المرأة الفقيرة " أم عاطف". وأعرف أيضا أنك ستتجهم وستلزم غرفتك. وستشعر المرأة بنفورك منها ومضايقتك. لكنها قليلة الحيلة لا تدري ماذا تفعل لإرضائك. وبعد أن تغادر البيت مكسورة الخاطر ستفتعل مشاجرة مع زوجتك، وستعلنها بقرارك النهائي" أنت لا تريد هذه المرأة في منزلك مرة أخرى". ستحاول زوجتك أن تثنيك برفق عن قرارك. لكنها- مضطرةً- ستذعن لإرادتك. لكنك- أيها الآدمي التعس- لا تعرف أي ثمن باهظ ستدفعه. لأنك لا تفهم القوانين المرهفة التي تحكم عالم الغيب ويتحدد على ضوئها مصيرك.
.............
مكتوبٌ في صحائف الغيب أنك محمولٌ على هذه المرأة، تُرزق من أجلها، وتُستر من أجلها. فإذا تخليت عنها حقّت عقوبتك. حينما غادَرَتْ بيتك كسيرة الخاطر صار محتوما أن يُكْسر خاطرك. أيها المسكين سوف تنهار دنياك رأسا على عقب. ستخسر الكثير لكنك لن تربط وقتها بين الأمرين لأنك نسيت! والله لا ينسى.
ستشعر بتأنيب الضمير ولكن كبرياءك سيمنعك من التراجع. ستبرر لنفسك بأنها لم تظلمها وأنك حرٌ في مالك. أتظن أيها المسكين أن مالك هو مالك وقوتك هي قوتك؟ أتظن أيها المخدوع أنك تمنح وتمنع، وتُعطي وتَقبض. قوّتك أيها الآدمي مُستعارة. أنت في حقيقة الأمر عالة على الله مثلها. الفارق أن ضعفها ظاهر وضعفك مستتر. 
.............
أعرف ما سيؤول إليه مصيرك، ولا أستطيع أن أتدخل. فقط أكتب وأكتب. أحزن وأنا أكتب. أبكي وأنا أكتب. تنهمر دموعي مدرارا، لكني لا أستطيع أن أمحو شيئا أو أتوقف عن الكتابة. الله وحده هو الذي يمحو الكتابة، أو يبدل السيئات حسنات. يقضي بما شاء لمن شاء كيفما شاء. ولا نجرؤ أن نُعقّب أو نسأل لماذا!. كل ما نستطيعه أن نرفع صلاتنا إلى إلهنا وخالقنا:" رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ".