السجادة

هيمنت السجادة على عالمها بشكل لا يمكن تفسيره. كانت وجنتاها تضطرمان كلما راح الضيوف يكيلون الثناء لسجادة الصالون. يتكرر الأمر كل مرة، بمجرد أن يدلف الضيوف للغرفة ويجلسان على المقاعد المُذهبة حتى تعرف ماذا سيحدث. سيتوقف الكلام فجأة. سيحدق الضيوف بعيون منبهرة في السجادة الكثيفة الملونة. السجادة التي تداخلت خيوطها ونقوشها بشكل لم تشاهد مثله. وفي كل مرة يسألونها من أين ابتاعت السجادة! فتهز كتفها في حيرة وتخاف أن تعترف أنها بالفعل لا تعلم. وجدت السجادة يوما في غرفة الصالون غامضة مهيبة دون أن تدري الظروف التي صاحبت شراءها. زوجها يقسم أنه لم يفعل! وهي غير متأكدة إن كانت اشترتها أم لا. الأمر كله مُضبب ومفعم بالغموض. ما سر هذه السجادة التي تستوقف الأنظار؟ ويسرح الإنسان بمجرد التحديق إليها في عالم مجهول محير! لقد توقفت عن دخول الغرفة! وعندما تريد تنظفيها فإنها تتحاشى أن تنظر إلى السجادة بألوانها العديدة ونقوشها المتداخلة. مرة أكتشفت أنه قد مضت ساعتان وهي تحدق بالسجادة. تشاهد في نقوشها العجيبة أشياء أعجب. تشاهد أشخاص ومركبات وسماء مفتوحة. راحت تحدق غائبة عن الوعي حتى انتبهت إلى طفلها ذي الخمس سنوات وهو يصرخ باكيا. لم تدر متى تسلل إلى الغرفة، وما الذي شاهده بالضبط في السجادة وجعله يصرخ بالبكاء. احتضنته وحاولت أن تجعله يهدأ بلا جدوى. ونوت أن تتحدث مع زوجها في شأن هذه السجادة. لا بد أن يعتصرا ذاكرتهما كيف يعرفا متى جاءت إلى هنا. وكيف استوت على الأرض متظاهرة أنها مجرد سجادة بريئة. وحين يعود زوجها فإنهما حتما سيحاولان فك اللغز. الأمر الذي لم يحدث للأسف. تأخر زوجها في العودة وهي تستحثه في داخلها. طفلها لزم الصمت المترقب. عند المساء جاءها الخبر أن سيارة قد دهمته وهو يعبر الشارع. وفيما صرخت هي فقد تلقى ابنها النبأ بصمت واجم. بعد عدة أيام أسر إليها بالخبر. همس لها وهو يرتجف أنه شاهد الحادثة في السجادة. توارت النقوش المتداخلة فيما عدا جسد أبيه والسيارة تدهمه. لا يدري كيف حدث ذلك! المهم أنه حدث!
كانت أمامهما ليالٍ عصيبة يحاولان أن ينسيا فيها ما جرى. لكن أنى النسيان والسجادة موجودة والضيوف يتوافدون للعزاء والمشاركة! تعبير جامد ارتسم على وجه صغيرها كمن شهد الأهوال ثم ظل صامدا. لم يعد يخشى السجادة. بل صار يقترب بلهفة جنونية، بلذة توشك أن تكون مؤلمة، كي يشاهد مصائر أخرى ويتسلى بمصارع البشر.
انصرف آخر الضيوف وصغيرها المخيف يحوم حول السجادة. همس بصوت كالفحيح "أونكل سامي سيُقتل مذبوحا. شاهدت دمه يتدفق من جرح عميق في عنقه، وكان يسيل على السجادة".
ورفع يده الصغيرة ملوثة بالدم أمام عينيها. لم تدر ماذا تفعل! احتضنته وأجهشت في البكاء. ثم فكرت أن تحادث سامي وتحذره! ولكن ماذا تقول له! وضعت سماعة الهاتف تاركة الأقدار تحدد مصيره.
حينما بلغها النبأ الحزين في ظهيرة اليوم التالي بادلت صغيرها النظر في رعب. لا تريد له هذا المصير. كاهن تهمس له الأقدار بالغيب! عرافة تهيم في ضباب بلورتها السحرية. هذه السجادة الملعونة يجب أن تفني. لا يطهرها إلا النار ككل الأشياء الخاطئة. سكبت الكثير من البنزين عليها ثم ألقت عود الثقاب المشتعل، لتشاهد السجادة وهي تحترق، تتلوى كمخلوق حي مكتوبة عليه اللعنة.