وفاة سيدنا محمد

حدث في مثل ذلك اليوم ( 8 يونيو )
في مثل ذلك اليوم أظلمت السماء وأوحشت الأرض. والشمس حزنت حزنها الكبير وزادت وحشة القمر في الفضاء الفسيح. في مثل ذلك اليوم انقطعت الصلة بين السماء والأرض، و لم يعد جبريل الأمين يزور وديان مكة وطرقات المدينة. في مثل هذا اليوم الحزين من عام 632 ميلادية مات آخر الأنبياء وأكرم الأنبياء وأعظم الأنبياء، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
وبقدر ما فرحت الأرض بمولده حزنت بعدها لفراقه. كانت الأرض بحاجة لمحمد، وكانت البشرية بحاجة لمحمد. الضلال سكن الأرض، والأوثان تعبد في كل مكان، والقوي يأكل الضعيف، والقبائل في كر وفر. والحيارى ينظرون إلى السماء، يلتمسون شعاع ضوء. والرهبان يتحاكون عن نبي قد أطل زمانه، مبارك أينما كان، اسمه أحمد، دعوة إبراهيم ونبوءة موسى ، ترنيمة داود وبشارة عيسى .  
محمد بن عبد الله، يتيم بني هاشم، واسع العينين، أبيض الوجه، ظاهر الحسن، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البَهَاء. أجمل الناس من بعيد، وأحلاهم من قريب. نبي آخر الزمان، طيب الرائحة، حلو المنطق، أجود الناس كفاً، وأوسعهم صدراً، وأصدقهم لَهْجَة، وأكرمهم عشيرة، من رآه هابه، ومن خالطه أحبه.
حمل أحزان البشر فردا فردا، فقدا وفقرا، حزنا وثكلا. اليتامى عزاؤهم محمد، والثكالى عزاؤهم محمد. مات أبوه وهو في بطن أمه فعرف اليتم قبل أن يعرف مذاق اللبن. وماتت أمه في السادسة فظل يحمل شجنا في قلبه استمر معه حتى آخر عمره. حينما زار قبرها وهو في الستين علا نشيجه حتى أبكى من حوله. مات جده الذي كفله، وكأن الموت يحصد أحبابه!، عمه أبو طالب، زوجته المحبوبة خديجة، أطفاله الصغار ، ثم بناته الواحدة تلو الأخرى، فلم يزدد إلا حبا لربه، وقربا وتبتلا وعبادة.
لم يكن يعرف أنه النبي المنتظر، لكن ملكاته الروحية كانت تدفعه للتأمل. كان يعرف ربه بالفطرة والتدبر، يتأمل الشمس والقمر، والنجوم والكواكب، والجبال والرمال، يعرف بالروح أن للخلق خالق وللملك مالك. ثم اتصلت السماء بالأرض، شاء الله أن ترتفع دعوة التوحيد، قرانا يعلن عهد الرشد العقلي ويبدأ بكلمة "اقرأ".
طريق طويل قطعه رسول الإسلام منذ ذلك الحين، ودع عهد النوم والراحة، وبدأ الجهاد والمكابدة. وكم رأته الشمس صائما، وشاهده القمر ساجدا، وفي النهار مثابرة، ودعوة وموعظة حسنة، وشرك يندثر وتوحيد يرتفع. ينشر الدعوة ويؤسس الدولة ويبعث مكارم الأخلاق. يرفع البشرية إلى آفاق جديدة لم تألفها من الرفق والرحمة، والعدل والمساواة. هاجر إلى المدينة وأنشأ المجتمع الإسلامي ، ثم فتح مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، بعدها انتقل إلى رحاب ربه راضيا مرضيا ، محمودا من أهل الأرض وأهل السماء، فكانت آخر وصاياه بالصلاة والرفق بملك اليمين.