الهنود الحمر يبيعون جزيرة مانهاتن

16 نوفمبر 1626 - الهنود الحمر يبيعون جزيرة مانهاتن مقابل قماش بقيمة 24 دولار.
خلق من خلق الله، كانوا يعيشون في تلك الأرض، قبل أن تعلو الشجرة وتكبر الغابة ويغرد السنونو. أحرارا كانوا، أطفالا كانوا. مثل كل الأطفال الكبار يسهل خداعهم. جزيرة كاملة اشتروها منهم بحفنة دولارات.
حياتهم كانت الحرية ذاتها، والمدى الأخضر، وقطعان الماشية البرية، وجواد يركض بلا توقف في سهوب لا يحدها حدود. وفي المساء متسع لسمر، وحكايات أحبة وتدخين التبغ في أنبوبة خشبية طويلة.
الهنود الحمر: سكان أمريكا الأصليين، الذين نزح أجداد أجداهم قبل عشرة آلاف سنة عبر ممر أرضي في شمال سيبيريا قبل انحسار العصر الجليدي الأخير. ممر كان يربط وقتها أمريكا بآسيا، فاستوطنوها منذ آلاف السنين. تأقلموا مع المناخ، وقعوا في عشق الأرض، أقاموا ثقافاتهم، شيدوا حضارتهم، استعملوا أخشاب الغابات في بناء بيوتهم وصنع قواربهم وآلاتهم الخشبية. زرعوا الذرة ، مارسوا الصيد، في الجملة كانت حياتهم جميلة ومحتملة. ولم يعرفوا ما تخبئه لهم الأقدار.
كان تعدادهم حين جاء كولومبس عام 1492 فوق الخمسين مليون. خمسون قبيلة في الغرب، بلغات متنوعة وأرث حضاري، وثقافة مزدهرة بشتى المعاني الإنسانية. أول شعوب اكتشفت الأرقام ورمزت إليها. كانوا متقدمين جدا قبل ميلاد المسيح بنحو 3700 سنة، ثم دارت الأرض دورتها، وذهب منحنى الحضارة إلى الانخفاض. ربما أغرتهم موارد القارة بالكسل، ربما لم تستفز فيهم روح الكفاح. ربما استناموا للراحة والدعة، أو التصقوا بالأرض أكثر من اللازم وأهملوا عقولهم، فسادت الخرافة وانتشرت الأمراض. وقفوا في مكانهم والأرض تدور، والشمس تدور، والشعوب تدور. حتى تخلفوا تماما عن اللحاق بالعالم المحتجب خلف زخم المحيطات.
ثم جاء الأوربيون بالويل والدمار، والبارود والنار، حملة إبادة كاملة استخدمت فيها أحط الوسائل وأبعدها عن الإنسانية، حتى الحرب البيولوجية لم يتورعوا عنها، يوزعون الأغطية الملغمة بالأوبئة بقصد نشر الأمراض: الجدري والحصبة والطاعون والكوليرا، والدفتيريا والتيفود. أمراض لم تعرفها القارة البكر من قبل فحصدتهم كقطعان دجاج.
كانت القارة الشاسعة تتسع للغزاة وأصحاب الأرض، لكن أصحاب الوجوه الشاحبة جاءوا على سفنهم ومعهم الوباء وماء النار. جاءوا بروح الشر البعيدة عن تلك البلاد. طردوا الهنود من مرابعهم، خافت الدببة والأرانب والغزلان. فزعت مواكب الطيور لتحتمي بالسماوات. تلاشى السلام كدخان بددته الرياح. تفرق الأحبة، وانطفأت الجذوة ومات السمّار. ولم تزل القارة البكر تتساءل أين ذهب الأحبة، أين مجالس السمر وجذوة النيران؟.