مولد فيودور دوستويفسكي

11 نوفمبر عام 1821 – مولد فيودور دوستويفسكي.
هذا المقال هو محاولة لتفسير خبرة نفسية مؤلمة مررت بها منذ أعوام طويلة. كنت في الثامنة عشر تقريبا حينما استعرت إحدى روايات دستويفسكي  من مكتبة دار الثقافة..كان الكتاب ضخما، يزن بضعة كيلوجرامات، مجلدا بطريقة عتيقة، مليئا بالأتربة لكني عدت سعيدا به لأني أعرف قيمة صاحبه. وبدأت القراءة، شدتني أحداث الرواية واندمجت مع الأبطال. بالتدريج بدأت أدخل عالما متشابكا من مشاعر غير مألوفة. كنت اقرأ برعب، بغرابة، بغواية، بقلق، بلذة، باستمتاع. كانت الرواية تجرني لمناطق غائرة في أعماق نفسي، وتجارب لم أعشها، ومخاوف ورثتها من الأجداد. وشعرت بالقشعريرة، وانتصبت شعيرات جسدي. وهاتف  يحذرني من مواصلة القراءة ، وشيء يدفعني إلى الاسترسال. دوستويفسكي الرهيب كان في الغرفة، على بعد خطوات مني: يغويني ، يُعرّي داخلي ، يرعبني ويستدرجني.
فيودور دوستويفسكي ، الأديب الروسي العبقري، المولود في مثل هذا اليوم من عام 1821، طفولته كانت بطعم الخوف، الابن الثاني لجرّاح مدمنً سريع الانفعال، والذي يعمل بمستشفى في أسوأ أحياء موسكو حيث المجانين والقتلة، والمجرمون والأيتام ، كلها أشياء أثارت قلقه، وتساؤلاته عن مصير الإنسان. وازدادت المحن بنوبات الصرع التي لازمته طيلة حياته، وصبغت شخصيات أبطاله بالحزن واليأس وانعدام الحيلة، انعكاسا لروحه البائسة، هناك حيث كان يقف دوستويفسكي على حافة الهاوية.
تلقى النقاد إنتاجه الأدبي بالقشعريرة!!، وبدا واضحا أن (جوجل) جديد على وشك الظهور. وتنبأ الناقد الشهير" بالينسكي " بأن دوستويفسكي سيصبح أحد أفضل كتاب روسيا.
لكن السماء لم تصف، والسعادة لم تكتمل، بل كان في انتظاره خبرة مروعة لازمته حتى موته. تم القبض عليه بتهمة الانضمام لجمعية سرية تناهض  القيصر، نفوه إلى سيبريا، حكموا عليه بالإعدام . لم ينس دوستويفسكي قط هذا الصباح البارد، وندف الثلج تتساقط على وجهه، وفرقة الإعدام تشهر أسلحتها في انتظار أمر تنفيذ الإعدام، ثم صوت حوافر تقترب، وصراخ فارس يطالب بالتوقف، فقد تم إلغاء حكم الإعدام!.
ومنذ ذلك الحين، ورغم المجد والشهرة، والتقدير الأدبي الرفيع بعد صدور أعماله الكبرى مثل الجريمة والعقاب والأخوة كرامازوف، والمقامر، والأبله، والليالي البيضاء، وغيرها من الروائع المحفوظة في سجل الإنسانية، لم يعد دوستويفسكي أبدا من هناك. من لحظة الإعدام والبنادق مشهرة في صدره. ظل أسير الخبرة المروعة، متوغلا  في مناطق شائكة في النفس الإنسانية، حيث لم يسبق لإنسان أن بلغ هذه المنحنيات أبدا ثم عاد لعالم العقلاء.