أحلام البنات

عادت من الحفل وقلبها يدق. أمها تجلس على مقعدها المفضل وتشاهد التلفزيون. في أحوال أخرى، حتى الأمس فقط، كانت تسرع إليها وتحكي لها كل شيء. لكنها الليلة شعرت بحاجة ملحّة إلى الانفراد. أن يكون لها سرها الخاص. أن تتملى مشاعرها ببطء وتعيد استذكار تفاصيل الحفل. هشام!. همست باسمه في صوت خافت وكأنها تتنهد. مشاعرها نحو هشام لن تبوح بها، حتى لماما.
هل يعني ذلك أنها تحبه!؟. رباه! إنها صغيرة! ولا تعرف ما هو الحب!. لم تتعود تحليل مشاعرها، لأنها كانت بسيطة وفي اتجاه واحد. تحب والديها، أخواتها، صديقاتها، الأشياء التي تدخل السرور عليها. أما الآن! فمشاعرها مُركبة، ربما مرتبكة، كل ما تستطيع قوله أنها تشعر بشيء مختلف يعتمل في الأعماق.
أغلقت باب غرفتها برفق. تطلعت إلى وجهها في المرآة ففترت حماستها! ترى: هل يعجب هذا الوجه هشام؟. صديقاتها، ومنهن من هي أجمل منها بمراحل، كن يتعمدن لفت انتباهه. بعض الدلال، بعض الرقة. هذه أشياء تفعلها الأنثى بالفطرة حتى لو كانت مراهقة في السادسة عشرة.
ولاح له وجهه الوسيم، وملامحه الجذابة، والسحر الذي يخلقه تنافس البنات على رجل واحد. كلهن حرصن على حضور هذا الحفل بالذات من أجل شقيقها هشام. الجريئات أبدين إعجابا صريحا به، أما هي فأربكها الحياء.
لم تشعر برغبة في تبديل الثياب. تريد أن ترى نفسها كما رآها هشام. ليتها كانت أجمل من هذا قليلا. تنهدت في لهفة مكتومة، ثم أغمضت عينيها أمام المرآة. يمكنها بقليل من الخيال أن تأمر شعرها أن ينهمر على كتفيها كالشلال، كثيفا، ناعما، متموجا، فاحم السواد. آه. إنها تشعر به فوق كتفيها الآن. تحسسته بيديها فشعرت أنه قد صار أطول!. فهل هي تتوهم أم حدثت المعجزة فعلا؟. هل يكفي أن نريد شيئا بشدة فيتحقق!. بإمكانها أن تفتح عينيها وتتأكد. ولكنها تخشى على الحلم أن يتبدد. آه لو كانت أكبر وتعرف عن العالم أكثر!.
وأحست بشيء يهتف في روعها:" الواقع يمكن أن يتغير، إذا آمنت بقدرتك على تغييره. يمكنك إذا أغمضت عينيك أيتها الحالمة أن تصبحي كما تشاءين"
وبالفعل، آمنت بالحلم. استنجدت بقواها الكامنة، بعالم الروح الغامض، بالأشياء التي تملكها ولا تعرف أنها تملكها، بقدرتها على الفعل. أغمضت عينيها أكثر وراحت تصدر الأوامر. يا عيناي! أريدكما ساحرتين. يا ملامحي كوني جذابة، فلتكن بشرتي صافية، وأهدابي كثيفة، وأنفي منساب برشاقة فوق شفتين مضموتين كالوردة الصغيرة. ورائحتي كأنها الياسمين في ليلة منيرة، وحين يراني هشام يشعر أنني أميرة!.
استغرقت في الحلم. وفجأة وجدت هشام أمامها ينظر إليها في وجد وإعجاب. أسلمته يدها وهي تبتسم. ثم راحت تدور معه مغمضة العينين في فضاء الغرفة. وبدون أن تقطع الرقص، أو حتى يشعر هشام، راحت تتحسس الجدار باحثة عن زر النور لتطفئه، وتضيء- في نفس الوقت- كل مصابيح الروح.