أخيراً سيرتاح!

كالعادة، وكما يحدث كل يوم في المدرسة، ظل المعلم يتندر على غبائه والتلاميذ يضحكون. احتمل السخرية والمهانة، محاولا أن يحبس دموعه حتى لا يزيد الضحك ويشمت الشامتون.
انتهت ساعات المدرسة، وسار منفردا بنفسه، مُطلقا العنان لدموعه. استوقفه شيخ تبدو عليه الحكمة. أطمأن إليه، أفضي إليه بهمومه، تحدث عن غبائه وفشله. قال له الشيخ وهو يضحك:" أنت محظوظ لأنك تملك ثروة كبيرة، وهي العمر والشباب".
قال الولد:" أنا مستعد للتنازل عن الشباب طواعية مقابل أن أصبح ذكيا واسترد مكانتي في المدرسة". سأله الشيخ:" هل أنت مستعد أن نتبادل: تأخذ الحكمة وتتنازل عن الشباب؟"، قال:" بالتأكيد أوافق".
تمّت الصفقة، أخذ الذكاء والحكمة وتنازل عن الحيوية والشباب. سار في الطريق فوجد صبيانا يلعبون الكرة، طلبوا منه أن ينضم إليهم، رفض، شعر بسخافة اللعبة، ما قيمة أن يركض الإنسان وراء كرة منفوخة بالهواء! استفزهم رفضه، ضربوه، مرغوه في التراب، حاول أن يدافع عن نفسه، لكنه فشل. اكتسب المعرفة وفقد القوة. قام ودموع القهر تملأ عينه، أحس أنه خُدع، وأن الحكمة لا توازي الصبا. سار في الطريق يبحث عن الشيخ ليرد إليه الصفقة، ويسترد الشباب.
.................
شاهد أقوى ولد في الحي. كان يقف حزينا وفي عينيه نظرة يأس، لأنه رسب في الامتحان. اقترب منه، تبادلا الشكوى، اتفقا على المبادلة، أعطاه الحكمة وأخذ القلب الجسور. عاد إلى الأولاد الذين ضربوه فضربهم وانتقم لكرامته.  
سار في الطريق سعيدا، شاهد بنتا جميلة أعجبته، لها ضفيرة طويلة وعينان ساحرتان. تقدم في جسارة طارئة عليه، غازلها، أراد أن ينال إعجابها بأي ثمن، افتعل معركة وضرب ثلاثة أولاد. نظرت إليه في اشمئزاز. أخبرته أنها تكره الهمجية وتعجب بالفتى الرقيق الحساس. ولّته ظهرها في ازدراء، أخرجت ديوان شعر، وراحت تتلو الأشعار.
اُسقط في يده، سار وهو يشعر باليأس. شاهد شاعر الفصل يبكي، لأنه سئم الشعر في عالم لا يعبأ سوى بالأقوياء. تبادلا الشكوى، تمّت الصفقة، ترك له القلب الشجاع وأخذ منه الشعر الرقيق. عاد إلى الفتاة فأنشدها الشعر، غَزَل لها من ضياء القمر فستانا، وقعت البنت في غرامه، لكنّ أباها رفض أن يزوجها له لأن الشعر لا يُطعم الأفواه.
..................
سار حزينا، شاهد أغنى فتى في المدينة يبكي، لأن الناس يحبونه لماله لا  لشخصه. تبادلا الشكوى، اتفقا على الصفقة، أخذ الغنى وأعطاه العاطفة...إلخ
وهكذا مرت الأيام. تتابعت الأعوام عاما فعاما. كان الولد أثناءها قد كبر، وعقد عشرات المبادلات باحثا عن سعادة لم يشعر بها في يوم من الأيام. لم يعد يدري ما جاء وما ذهب! وما الذي اكتسبه وما الذي فقده. وفجأة اجتاحه الألم. جاءته النهاية تعتصر العافية. جاءه الموت يحمل السلام النهائي. لكنه لم يشعر بخوف ولا أسى. بالعكس تماما، أحس بالسكينة الكاملة لأن ركضه خلف السراب سينتهي، وأنه- أخيرا-ً سيرتاح!!.