حل جماعة الإخوان

29  أكتوبر – 1954 عبد الناصر يحل جماعة الإخوان المسلمين إثر محاولة اغتيال فاشلة.
الحقيقة فراشة مراوغة يصعب الإمساك بها، وأحيانا يكون لها وجوه كثيرة. خذ عندك مثلا: من أصعب الأشياء أن تعرف حقيقة ما جرى في حادث المنشية عام 1954، هل حاول الإخوان قتل عبد الناصر فعلا أم أنها محض تمثيلية؟.
أوجه الصعوبة في معرفة الحقيقة كثيرة، منها الاضطراب الواضح في إثبات الاتهام، فعلى سبيل المثال لا الحصر: المسدس- الذي زعموا أنه أداة الجريمة- لم يظهر إلا بعد خمسة أيام من وقوع الحادث، مع حكاية مدهشة عن عامل عثر عليه في مسرح الجريمة، وصمم أن يسلمه لجمال عبد الناصر شخصيا، ولمّا كان فقيرا إلى الحد الذي لا يملك فيه ثمن تذكرة القطار فقد مشى المسافة على أقدامه من الإسكندرية إلى القاهرة حتى قابل جمال عبد الناصر وأعطاه المسدس، واُلتقطت الصورة التي تم نشرها في الصحف اليومية. غرابة القصة يعتبرها الأخوان دليلا على تلفيقها، ولا أظنها كذلك لأنه لو كانت النية مبيتة على التلفيق لكان من أسهل الأشياء عدم ترك ثغرات.  تفسيري الشخصي لهذا التضارب هو بساطة الزمن الذي تمت فيه الحادثة، فالمرء لا يكاد يصدق السهولة التي تم بها اغتيال رئيس الوزراء أو استيلاء الضباط على الحكم، دون الاحتياطات الأمنية الشائعة اليوم.
ومما يزيد من صعوبة معرفة الحقيقة أن كلا الطرفين لا يُستبعد منهم أن يفعلوا ذلك، فللإخوان سوابق في استخدام العنف كما حدث مع النقراشي والخازندار. ونحن نعرف تعملق الجهاز السري على حساب القيادة السياسية( حتى في وجود حسن البنا نفسه). وعبد الناصر كان قد أظهر من العداء للإخوان ما يجعل التخلص منه مطلوبا، وربما تم الأمر بجموح شباب متحمس بدون علم مرشدهم( الهضيبي) رجل القانون الميّال بطبعه إلى المسالمة. والجماعة في نهاية الحال- مثل أي كيان ضخم- يصعب السيطرة تماما على تصرفات أعضائها.
من الناحية الأخرى يصعب استبعاد تلفيق عبد الناصر للحادثة، فله مصلحة واضحة في إيجاد مبرر للعصف بها. كان صراع سلطة لا يرحم، وعبد الناصر -قبل أي إنسان آخر- يعرف أن هذه الجماعة هي عائقه الأخير أمام انفراده بالسلطة بعد انحيازهم الواضح لمحمد نجيب. والعنف الذي تعامل به عبد الناصر وأحكام الإعدام القاسية (رغم عدم وقوع قتلى)، وحكمه الديكتاتوري الذي ظهرت ملامحه فيما بعد يجعل احتمال التلفيق ممكنا.
والخلاصة أن الجدل سيظل موجودا إلى الأبد، ولن نعرف الحقيقة إلا يوم القيامة.