مولد عبد الرحمن الخميسي

13 نوفمبر  1920 – مولد عبد الرحمن الخميسي.
الكتابة عن عبد الرحمن الخميسي عمل مرهق من الناحية الإنسانية إلى أقصى حد. حين نحاول أن نبحث عن السبب الذي يدفع رجلا من الصفوة الممتازة، مثقفا من زبدة مصر، أن يهجر بلاده التي أحبها من سويداء قلبه، ويتركها إلى الأبد ليقيم في الاتحاد السوفيتي، فلا بد لنا أن نتساءل هل ضاقت به مصر إلى هذا الحد؟، هل آذته كثيرا؟، مصر التي اتسعت للأفاقين واللصوص والمحتالين، لماذا لم تتسع لعبد الرحمن الخميسي، الفنان الشامل الذي فعل كل شيء تقريبا. كل شيء بمعنى كل شيء. شاعر من مدرسة أبولو، أستاذ فن القصة، نجم الصحافة، رائد التأليف الإذاعي، مخرج وممثل ومكتشف نجوم، أهدانا يوسف أدريس وسعاد حسني وشارك في فيلم الأرض. لا شك أن هناك سرا كبيرا يفسر هذا اللغز.
عبد الرحمن الخميسي، الفنان الشامل المتكامل، أحد مواليد شهر نوفمبر من عام ألف وتسعمائة وعشرين. والمفارق عالمنا عام 1987 في روسيا، والمدفون حسب وصيته في المنصورة. كم كانت رحلة طويلة منذ ولادته في بورسعيد. طوّف العالم خلالها شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا. ولادته الروحية كانت مع الشاعر الكبير خليل مطران الذي تعهده بالرعاية الفنية حتى اكتملت أدواته، ثم ندهته نداهة القاهرة، وهناك عمل بقالا، وكمساريا، ومصحح مطبعة، وجاب الريف المصري مع المسرح الشعبي فتعرّف على الوجه الحقيقي لمصر. نام في الحدائق، جاع، واجه البؤس. اقترب حتى رأى، ورأى حتى بكى، وبكى حتى تعب. ولم يكن ممكنا لأي إغراء أن ينسيه بؤس هذا الشعب.
كان معارضا بالفطرة، لم يهب النظام الثوري، سجنوه مرارا، فصلوه من عمله عشرات المرات، وأثناء ذلك، وبرغم ذلك توالت إبداعاته في شتى المجالات.
في عهد السادات، بدأت رحلة غربته الكبرى حين عارض سياسته: من بيروت لبغداد، ومن العراق لليبيا، ومن روما لفرنسا، وأخيرا حطت به الرحال بموسكو، ليعيش  أيامه الأخيرة هناك كما كان يعيش بمصر. شقته الباردة في ضباب موسكو حولها العشق إلى شقة مصرية صميمة في حي الحسين.
اليساري العنيد لم يفهم أنه الوحيد الذي لم يتغير. الزمان تغير والناس تغيروا وحتى الاتحاد السوفيتي نفسه تغير. من حسن حظه أن العمر لم يمتد به حتى يشاهد تفكك الاشتراكية، ونهاية الحلم.  من حسن حظه أنه مات على وهم.
وتبقى العبرة من كل هذه الدراما: كن يساريا أو رأسماليا، سلفيا أو ليبراليا، المهم أن تكون شريفا، وتحب بلدك بإخلاص. بعدها أنت حر في أن تكون كما شئت.