اندلاع الثورة الجزائرية

1 نوفمبر 1954 اندلاع الثورة الجزائرية التي أدت لاستقلال الجزائر.
أعترف لكم بعجزي التام عن فهم الإنسان، عن حل ذلك التناقض المريع بين الشعارات والتصرفات. فرنسا العدالة والحرية والمساواة، فرنسا فولتير وروسو وبلزاك، هل هي نفس فرنسا بلطجي الحانات الذي رفض تسديد ديونه المستحقة للجزائر التي ساعدته أثناء حصار أوروبا لفرنسا بعد الثورة الفرنسية. القنصل الفرنسي رد على حاكم الجزائر بطريقة غير لائقة،  فطرده الحاكم من القصر وهو يلوّح بالمروحة. فرنسا اعتبرت التلويح بالمروحة في وجه قنصلها إهانة لا تغتفر ردها الوحيد الاحتلال!!
  بالله عليكم من يحل لي هذا التناقض: حينما كان (باستير) عاكفا في معمله يكتشف الجراثيم ويخترع اللقاحات ويهدي العالم البسترة كانت جرائم الاستعمار الفرنسي على أشدها: الإبادة الجماعية، التهجير، التعذيب، وفرض الضرائب الجائرة. وفي الوقت الذي كان  (إسكندر دوماس) يكتب "الفرسان الثلاثة" ويلهم الشباب بالنبل والإخلاص والرغبة في المغامرة، كانوا يمارسون اللعبة الخبيثة في تمزيق الوطن الواحد: ضرب الوحدة الوطنية بين العرب والبربر، والترويج للهجات المحلية على حساب اللغة العربية، واعتبار الفصحى  لغة ميتة.
وبينما كان (فلوبير) يلهب خيال الحسناوات الفرنسيات برواية " مدام بوفاري" كان قومه يغيرون ألقاب الجزائريين بأسماء مشينة: "حمار"، و"مجنون"، و"بو معزة"،  نسبة للحشرات والحيوانات والعاهات الجسدية. رغبتهم في تحطيم معنويات الجزائريين من خلال ترديد أسمائهم طيلة الوقت بطريقة مشينة أنستهم ما يعرفه الجميع عن الجزائريين بالفطرة: شعب مقاتل صلد، يغلُب عليه طابع النفور من الهيمنة، وعدم التدجين، والتعبير عن المشاعر الفجَّة، والتضايق من الفضاء الضيِّق.
الشعب كان محتما أن يقاوم ويمعن في المقاومة. منذ ثورة الأمير عبد القادر التي قمعتها قوات إبادة بلغت مائة وعشرون ألف جندي. بعدها لم تهدأ المقاومة: ما أن تنطفئ ثورة حتى تشتعل ثورة، والفرنسيون يمارسون العنف والوحشية والإفقار والإذلال والإبادة.
وتهب الرياح التحررية حينما تتحمل مصر مسئولياتها: ويبدأ عصر جديد للمقاومة أكثر نضجا وعقلانية، يقوم على محاور عديدة: التربية الإسلامية لتكوين قاعدة جهادية ، قيادة سياسية تتقن فن الممكن، وقيادة عسكرية تحضّر لاندلاع الثورة.  
في أول نوفمبر عام 1954 كانت بداية الثورة بمشاركة 1200مجاهد بحوزتهم 400 قطعة سلاح وبضعة قنابل تقليدية. استهدفوا مخازن الأسلحة والثكنات العسكرية. بعدها اندلعت الثورة في كل مكان، حرب المليون شهيد التي كُتبت أحداثها بدماء لها لون الدم ورائحة المسك، تسطر بطولات، تعتذر إلى ربها. تقول : يا رب لم أقبل الخوف، لم أمضغ الجُبن، لم أرض بالمذلّة.