مهاتير محمد يتخلى عن منصبه

31 أكتوبر عام 2003 - رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد يتخلى عن منصبه بعد 22 عاماً في الحكم.
ترك مهاتير الحكم طواعية في مثل هذا اليوم من عام 2003، خبر تناقلته وكالات الأنباء فكان وقعه على المصريين كوقعه على الماليزيين. سؤال يفرض نفسه: لماذا تلهم ماليزيا أحلام مصر، وتُعقد دائما بينهما المقارنات الكثيرة؟، إذا ذُكر مهاتير ذُكر مبارك، وإذا ذُكرت ماليزيا ذُكرت مصر.
ربما لأن كليهما تولى قيادة بلاده في نفس العام ( 1981)، في هذه الأثناء نجحت ماليزيا في التحول من دولة زراعية تصدّر المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة، انخفضت نسبة الفقر والبطالة وارتفع متوسط الدخل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تقدمت ماليزيا وتراجعت مصر؟. هل تملك ماليزيا من الموارد ما يفوق مصر أم أن العكس هو الصحيح؟، هل نحن شعب عجوز يثقله التاريخ فيما يملكون هم المرونة والروح الوثابة؟. هل عدم تداول السلطة هو السبب ؟. أم أنه تفسير لا يكفي برغم وجاهته، فمهاتير استمر في الحكم ثلاثين عاما قبل أن يتنازل عنه طواعية. هذا ليس تشكيكا في قيمة الديمقراطية وما يفرزه تداول السلطة من حيوية، ولكن ثمة بلاد شهدت تقدما صناعيا وبنية أساسية ممتازة في ظل حكم ديكتاتوري مفرط كما حدث مع الجنرال فرانكو بأسبانيا.
لن أردد حديثا إنشائيا عن رؤية القيادة، والتخطيط المسّبق، والعمل بروح الجماعة، وآليات تنفيذ الخطط. فهذه الأشياء الجميلة هي مفردات النهضة في كل بلد، ولكنها لا تفسر انبعاثها في هذا الوقت بالذات.
السبب الحقيقي للتفاوت فيما أعتقد يكمن في كلمة واحدة: "القدرة على الحلم".  في مصر توجد فجوة هائلة بين القرار والحلم. القادرون على الحلم لا علاقة لهم باتخاذ القرار، وأصحاب القرار ينقصهم الحلم. وفيما كان الرئيس مبارك مهموما بإطعام الشعب، وأسوأ كوابيسه أن يأتي صباح لا يجد فيه المصريون رغيف الخبز، كانت أحلام مهاتير محمد أن تتحول ماليزيا إلى دولة إقليمية عظمى.
هذا هو الفارق الجوهري بيننا وبينهم، الفارق بين حلم الخبر والقوة الإقليمية العظمى. قدرتهم على الحلم وعجزنا عنه مع كل الاحترام للنيات الطيبة. ظاهرة عامة عند معظم المسئولين. حينما أسير في الطرقات وأشاهد القبح والقمامة أثق على الفور أن المحافظ  ينفق مدة خدمته دون أن يحلم ولو لمرة واحدة.
تحية من مصر التي أنهكها الحزن إلى مهاتير محمد، الرجل الذي امتلك جسارة الحلم، واتبع نصيحة أمه التي قالت له : تعلّم أن تترك الطعام وما زال طعمه لذيذا في فمك.