وصول أسطول الحملة الفرنسية

1 يوليو عام 1798: وصول أسطول الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت إلى سواحل الإسكندرية.
لم تكن المسافة بين شمال وجنوب البحر المتوسط تقدر بالأميال، بل بالزمان، بقرون تتسع في كل عام، بالفارق المهول بين مارد نائم ومارد يستيقظ . بفوران النفوس، بمفاعل نووي صغير في قلب كل إنسان. بوهج النخبة والعلماء والمفكرين، بمشاعل التنوير يحملها شهداء الحقيقة. بشعب أراد الحياة وقدر يستجيب.
كنا هنا وكانوا هناك. التفاحة كانت تقع على رأس نيوتن فيكتشف قانون الجاذبية، وديكارت يؤسس المنهج العلمي النقدي، وروسو يؤكد إرادة الشعوب، ودافنشي يستلهم غموض الكون في ابتسامة الجيوكندا ، والمقصلة تطيح برأس لويس السادس عشر وبالحق الإلهي للملوك في نفس الوقت ، والدهماء يستولون على الشارع توطئة لفوضى خلاقة ستعيد تشكيل العالم، للحرية والعدل والمواساة. و"نابليون" الضابط الكورسيكي العتيد– بملامحه البارزة وعينيه الحالمتين-يتأهب لغزو العالم القديم. يفتح بوابته: مصر القديمة بمجدها التليد. وعلى الجانب الآخر المماليك - الذين لا يحسنون إلا المؤامرات الصغيرة وخلع السلاطين - يقهقهون على "هبل" الفرنجة الخرعين، الذين سول لهم الغرور مقارعة المماليك الجدعان!.
كنا هنا وكانوا هناك. لم يعرفوا أن الزمان تغير، والأرض دارت حول نفسها مرات، فتعاقب الليل والنهار وجاء زمن العلم، والمدفع والبارود، والحرب المنظمة والخطط العسكرية. القمقم المسحور فض خاتمه معلنا عن خروج جني العلم، يسبقه الدخان الأزرق ويتلوه التقدم المثير. الطغاة الصغار لم يعرفوا أن سفن نابليون تقترب، تمخر البحر الأزرق واللجج البيضاء. عما قليل ستمطرهم بالقنابل فيصرخون في سجع لطيف، ، وهم يموتون!: "يا سلام على هذه الآلام !!"
سيفر الممالك، ويتلقى الشرق صفعته الكبرى كي يفيق. سيضطر إلى مجابهة الحقيقة مباشرة وبلا تزويق. سيعرفون أن الزمن تجاوزهم فيما استغرقوا هم في حجب الماضي وغياهب النسيان. ودينهم الجميل الذي بدأ بكلمة " اقرأ"، وحرض على العلم والتفكير النقدي، حولوه لمتون قديمة، وشروح للمتون القديمة، وشروح لشروح المتون القديمة. والشيوخ المزيفون زينوا لشعوبهم المقهورة طاعة الحكام، حتى لو جلدوا الظهر وأخذوا المال!.
لم يأت نابليون حاملا للحقيقة أو ليستحث شعوبا كسالى.  بل جاء غازيا، مؤسسا لإمبراطورية، خادما لتراب بلده، عبدا لشعب جعله سيده. لكن ، وكما يحدث دائما ، تختفي الأمور في أضدادها، ويسفر وجه الشر عن خير كثير. جاءت المطبعة وجاء العلماء. بدأ المشروع الحضاري الكبير في"وصف مصر "، وتعثر شامبليون في حجر رشيد ليفك طلاسم الحضارة الفرعونية. بالتفاعل، ولقاء الضد بالضد، ومقارعة النفوس، واستنهاض  الهمم أستعاد الشعب أراداته، أكتشف أنه حي كأروع ما تكون الحياة. أعوام قليلة ويتسلم "محمد علي" الحكم ليبدأ عصر النهضة الجديد.عاود النسر اكتشاف جناحيه ومنقاره الصلب. وتمدد العملاق المصري في أسيا وإفريقيه لتشعر القوى الاستعمارية بالخطر ويبدأ الخنق والحصار وتكسير العظام.
كل هذا سيحدث فيما بعد. المهم أنه- في  مثل هذا اليوم- كانت سفن نابليون تلقى مراسيها على شواطئ الإسكندرية إيذانا بإطلاق القنابل وإعلان بدء عصر جديد.