استشهاد الحسين

12 أكتوبر 680 م استشهاد الحسين.
■ ■ ■
كرب وبلاء، كربلاء. يا عين جودي بالدموع على الحسين. على ثمالة آل محمد، النبي الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور، وجعل لهم شأنا في العالمين، يقتلون حفيده المحبوب، ريحانة الرسول، سيد شهداء الجنة. نحن بحاجة إلى علماء نفس ليفسروا لنا كيف كانوا يصلون ويرددون في التشهد: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. ثم بعدها يقتلونه بدم بارد، بهمجية لا نظير لها، بوحشية قلوب أكلها الحسد. حاصروهم ومنعوا عنهم الماء، والأطفال يتلوون من العطش في صحراء قاحلة، يحمل الحسين ابنه الصغير: إن لم ترحموني فارحموه. فيرمون الطفل بسهم قاتل، ويقولون ضاحكين: خذ اسقه هذا.
■ ■ ■
لماذا خرج الحسين وهو يعلم أنه سيموت حتما؟، بالطبع لم يكن ممكنا لمثله أن يبايع يزيد، أن يغمض عينيه عن الانقلاب الاستراتيجي الذي حدث في دين جده من خلافة راشدة إلى ملك عضوض. يشبه الأمر سيارة أنفق الرسول عمره في إعدادها: وضع الوقود في محركها، اختبر فراملها، اطمأن على حال الإطارات. وأهم من ذلك وضع مقدمتها في الطريق السليم، بحيث إذا سارت لا تحيد يمينا ولا يسارا، غايتها الحق والعدل والحرية. في عهد الخلافة الراشدة انطلقت السيارة بأقصى سرعتها في طريق الخير والسلام. الانقلاب الاستراتيجي حدث لحظة بيعة يزيد. الانقلاب من الشورى إلى الوراثة ومن الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض. تحول المقود إلى الاتجاه المعاكس، ولم تكن قد ابتعدت كثيرا لأنها كانت في بداية الطريق، لذلك حاول بعض المشفقين إثناءه عن الخروج. الحسين بثاقب بصره استشرف المستقبل وعرف أنها ستنطلق إلى آخر الطريق: الملك الغشوم العضوض. مثل سيارة بدأت السير في طريق الإسكندرية، هي لم تبعد بضعة أميال لكنها – مع الوقت – ستصل حتما إلى الإسكندرية. هذا يفسر لنا ندم عبد الله بن عمر الذي امتد به العمر وشاهد عواقب الملك العضوض على حالة الحياد التي كان عليها وقت الفتنة. فيما بعد سيقول  عبد الملك بن مروان ببساطة على المنبر: من سيقول لي اتق الله سأقطع عنقه.
■ ■ ■
الآن نفهم لماذا قتلوا الحسين، كان الحسين بكيانه الروحي الضخم يقف أمام سيارة الشهوات، لذلك دهمته بلا رحمة، بعد أن قتلوا أهله وذريته، ولم يعد في ميدان المعركة سواه، رموه بالسهام، يقوم ويكبوا ثم يقوم ويكبو وهم يطعنونه بالرماح. بعدها حزوا رأسه التي كان يقبلها محمد، ثم وطأوا جسده الشريف بالخيول جيئة وذهابا بعد أن استلبوه الثياب.
■ ■ ■
ومنذ ذلك الحين، منذ أن أسلمنا الحسين ولم نقف معه لتصحيح المسار، منذ أن لم نقف معه أمام سيارة الملك العضوض ونحن نحاول بلا جدوى أن نعيد سيارة الإسلام إلى المسار الصحيح.