تنصيب المملوك طومان باي

11 أكتوبر 1416 - تنصيب المملوك طومان باي سلطاناً على مصر.
■ ■ ■
التاريخ سلاح ذو حدين: حد يذبحك وحد يجرحك. تاريخنا بالذات امرأة ترتدي السواد وتهوى اللطم. تاريخنا يحوي كل حروف الجر، مشدودين به من أعناقنا خلف مواكب السادة. تاريخنا لا يهوى من علوم الصرف غير المفعول به. ذهب الأيوبيون وجاء المماليك، ذهب المماليك وجاء العثمانيون. ونحن نمصمص الشفاه ونتفرج، نهتف للمنتصر حين ينتصر، ثم ننصرف وقد نسينا الأمر برمته. الحاكم واحد مهما اختلف الاسم، مماليك بحرية، مماليك برجية، (أو حتى  مماليك جوية!!)، كلها أسماء لا تعني شيئا للفلاح المصري المسالم الواقع في غرام الأرض. النيل يردد مواله، وشيّ الذرة ساعة العصارى متعة لا يعادلها شيء.
■ ■ ■
المماليك جلبهم الأيوبيون ثم استولوا على السلطة. لعبة الكراسي الموسيقية مع تعديل بسيط يتعلق بالذبح. ما أن يجلس أحدهم على كرسي العرش ويتسلم الصولجان حتى ينقلب عليه مملوك آخر يذبحه ثم يصنع نفس الشيء. بعضهم لم يعمر في المنصب المشئوم أكثر من عامين. طومان باي المسكين كان صاحب باع طويل في النحس: لم يمكث في الحكم إلا عاما واحدا بعدها شنقوه على باب زويلة، والطريف أنه لم يكن أصلا راغبا في الحكم.  كان واضحا له أن عهدا جديدا يتشكل، وحينما قتل العثمانيون عمه السلطان الغوري حاول أن يتهرب من كرسي العرش. لكن المماليك ألحوا عليه وأقسموا له بالسمع والطاعة حتى اضطر محرجا إلى قبول العرش. جمع الجند والأهالي وأراد الخروج للعثمانيين لكن المماليك خذلوه وقت الجد مستهينين بخطورة الأمر. وحينما زحف العثمانيون ولم يتمكن المماليك من وقف الزحف هرب من حوله الذين اقسموا له بالأمس.
■ ■ ■
حينما دخل السلطان سليم القاهرة باغتهم طومان باي وجرت معارك طاحنة كاد أن يتحقق له فيها النصر. الطريف أن الشيوخ دعوا له في خطبة الجمعة بعد أن دعوا للسلطان العثماني في الجمعة السابقة!. ولكن لأنه كان زمن العثمانيين فقد  تمكنوا في النهاية من حسم الأمر. طومان باي ظل بين كر وفر. حتى وشى به رجل سبق أن أحسن إليه وأنقذه من الموت. وبرغم إعجاب السلطان سليم بشجاعته فقد أمر بشنقه.
■ ■ ■
طومان باي مات كرجل، عند باب زويلة حينما شاهد الحبل المتدلى تقدم بخطى ثابتة بعد أن طلب من الجميع أن يقرأوا له الفاتحة ثلاث مرات. ثم التفت إلى الجلّاد, وطلب منه أن يقوم بمهمته. وبموته انتهت دولة المماليك وسقطت الخلافة العباسية، واستتب الأمر للسلطان سليم وأصبحت مصر ولاية عثمانية. أما الأهالي أجدادنا الظرفاء فكانوا منهمكين في ممارسة هوايتهم المحببة في شيّ الذرة ساعة العصر.