مولد محمد منير

10 أكتوبر عام 1954: مولد المطرب محمد منير
■ ■ ■
التقينا ذات مساء، تعارفنا بالروح، تكلمنا بالنظرات، ثم افترقنا دون أن تبادل كلمة واحدة.
■ ■ ■
كام عام ومواسم عدوا
وشجر اللمون دبلان على أرضه
■ ■ ■
محمد منير: صوت الجنوب الدافئ يحمل أشجان النوبة الراقدة في أعماق النيل كقربان بشري يعانق مصيره في استسلام ..
محمد منير: صوت يحملني من صبا مترع بالأحلام إلى كهولة مفعمة بالشجون .
■ ■ ■
وفينك؟
■ ■ ■
أتذكرها وجها مريحا .شقراء رقيقة الملامح لها طابع راقي وعملي في الوقت نفسه. تبدو كمهندسة معمارية إذا لم يخب حدسي . التقيتها في مسرح الأوبرا المفتوح في حفلة شتائية ليلة رأس السنة كان الشتاء يفيض شجونا والليل يتسع حزنا ولم يكن ممكنا لقاعة مهما كان ضخامتها أن تتسع لعشرات الألوف من عاشقي المطرب الجنوبي الذي سلك وعبد وزرع دروب العاشقين.
■ ■ ■
وفينك؟
■ ■ ■
لم يكن ممكنا ألا ألاحظ هذا الوجه الأليف ..كانت تحمل طفلا صغيرا تتناوب حمله مع فتاة أخرى. كان منير يشدو وسط عاصفة هستيرية من الإعجاب، وكانت تصغي إليه والدموع تنهمر على وجهها الشاحب. قدرت أنها تقارب الثلاثين من عمرها الذي كان واضحا أن محطاته الرئيسية كانت على مشهد من أغاني منير. هذه الأغنية بالذات؟
■ ■ ■
بيني وبينك أحزان ويعدوا..
بيني وبينك أيام وينقضوا ..
■ ■ ■
لم استطع أن أنزع عيني من ملامح الوجه المعذب. وجهها الذي صار كصفحة سماء تحتشد بالغيوم، وعلى خلفية من الأضواء الشاحبة المترقرقة تبرق سماؤها وترعد غيومها ثم ينهمر مطرها.
■ ■ ■
وحدي من انتبه إلى تلك الأمطار الاستوائية تهمي بغير انقطاع غير قادرة على مسحها وهي تحمل طفلها على كتفيها وتمسك به بقوة بكلتي يديها. أغنية هي ذكرى عزيزة عليها. سمعتها وهي قلب أخضر تطالع دروسها وتخطط لمشاهدة السينما مع صديقاتها. وسمعتها وقلبها يخفق لحب زميلها في الكلية.وسمعتها والأيام تحفر قبر الحب الأول والمعول يهيل التراب على القلب الأخضراني الذي لم يعد كذلك.
■ ■ ■
وفينك
كل شئ بينسرق مني
العمر من الأيام والضي في النني ..
جوايا باندهلك ..
ياترى بتسمعني ؟
■ ■ ■
والليلة تسمعها وهي تحمل طفلها من رجل آخر( هكذا الحكاية دائما). يمكنها أن تبكي بحرقة في الظلام الشتائي آمنة ألا يراها أحد، دون أن تعلم أنني طيلة ساعات أشاركها الحزن والشجن.
■ ■ ■
متعبة كانت، حزينة كانت، سعيدة كانت. تتعاقب على وجهها المبتل بالدموع ذكريات عمرها كله يجففه نسيم الليل فتفيض الذكريات بالدموع.
■ ■ ■
وفجأة وجدت الفتاة الأخرى تهمس في أذنها بشيء فالتفتت إلي فجأة ..وتلاقت عينان معروفتان بالدموع بعينين مبللتين. قالت كل شيء،اشتكت وبكت. وقلت كل شيء، اشتكيت وبكيت.
■ ■ ■
ثم مضى كل منا في طريقه ولم أرها بعد ذلك أبدا.