مقتل تشي جيفارا

9 أكتوبر 1967 - مقتل تشي جيفارا، الثائر الأرجنتيني.
■ ■ ■
كن شاعرا، كن ثائرا، كن نصيرا للضعفاء يكن اسمك "جيفارا".
كن زاهدا متقشفا، تؤثر الكفاح وقعقعة السلاح على الحياة المترفة والعيش الخفيض يكن اسمك "جيفارا".
كن إنسانا يمسح دمعة، يرفع بؤسا لم يتسبب فيه، يغضب من أجل الفقراء والمستضعفين يكن اسمك "جيفارا".
كن بطلا يفتح صدره لزخات الرصاص، الرصاص لا يخترق القلوب المحبة، وقلبك مفعم بحب المساكين. أواه يا جيفارا كان حلمك جميلا بقدر ما كان بعيدا، أتطمع أن توقظ الهمم وتحارب الاستعمار. الغرب الذي بنى حضارته على الموارد الرخيصة لشعوب مقهورة غائبة في سباتها الطويل، جميلة كأميرة نائمة تنتظر فارسها الأمين. كنت الفارس وكنت البطل. بجبهة نبيلة وعينين واسعتين تقطران كل حزن العالم، تقترب بشفتيك الحساستين من الشعب الغافل، من الأميرة المسحورة، تودعها قبلة، يداعبك أمل أن ينفك السحر وتتحقق الأسطورة: تصحو الأميرة النائمة من غفوة ألف عام، يستيقظ الغافل ويثور المستكين.
■ ■ ■
جيفارا، أواه يا جيفارا. كان بوسعك أن تمارس الطب في مسقط رأسك بالأرجنتين، تعتصر الدراهم من قوت المعوزين، تصنع من جلود الفقراء طبولا تعزف عليها إيقاع مجدك، تغمض عينيك عن ذلك الوضع المشين الذي تاباه الفطرة السوية في كل ملة ودين: التفاوت المريع بين الفقراء والأغنياء، من يملك كل شيء ومن لا يملك أي شيء.
■ ■ ■
كان بوسعك أن تقعد عن الجهاد، تعتذر لنفسك بمرض الربو الذي أنهك رئتيك، وجعل الهواء شحيحا ككل شيء . لكنك اخترت التعب، وغبار الطريق، والنوم المتقطع، وأزيز الرصاص. توجهت إلى غواتيمالا على أمل ثورة شعبية أجهضتها – كالعادة – المخابرات الأمريكية،  سافرت للمكسيك وهناك التقيت بكاسترو لتخططا سويا للثورة الكوبية، وحين نجحت الثورة ومنحك الجنسية ومقعد الوزارة تخليت عن كل هذا: تركت الكرسي المريح والمال الوفير لتعود جنديا بسيطا يحارب الظلم في كل مكان. رحلت إلى حيث تجد نفسك الحقيقية بين الثوار والمناضلين، طوّفت قارات العالم: الكونغو، بوليفيا، مساندا للحركات التحريرية. كنت تعلم أن كلاب الصيد يتعقبونك، يشمون أثرك، يستدرجونك، يشترون الذمم، يتلاعبون بالكلمات، يخيفون الفقراء منك، أنت الذي لم تخرج إلا من أجلهم.
■ ■ ■
وفي أحراش بوليفيا الاستوائية، هناك والقمر حزين، حاصروك مع مقاتليك العشرين، وحيداً تواجه الجيش المدجج والمخابرات الأمريكية. وبرغم الضعف والعزلة، وأزمات الربو الحادة،قاتلت –كبطل- ست ساعات كاملة قوات مكونة من ألف وخمسمائة فرد حتى مات الرفاق وتكسرت النصال على النصال ونفذ مخزون مسدسك، وقتها قلت لعدوك في هدوء ": أطلق النار، لا تخف ، إنك تقتل مجرد رجل".
■ ■ ■
في مثل هذا اليوم الحزين، في التاسع من أكتوبر 1967 أطلق الجندي الرصاص ليموت الرجل ويعيش البطل.