مولد رفاعة الطهطاوي

15 أكتوبر 1801 مولد رفاعة الطهطاوي  
■ ■ ■
مغفور لك يا "محمد علي" حكمك المطلق ومذابح المماليك، مغفور لك المغامرات العسكرية وقهر الفلاحين. البعثة الكبرى التي أرسلتها عام 1826م إلى فرنسا لدراسة العلوم: الطب البشري والبيطري، الكيمياء، الهندسة الحربية، علوم البحرية، الزراعة والعمارة والتاريخ الطبيعي. تنوع يشير إلى عزمك علي النهوض بمصر إلى المكانة التي تستحقها واحتلتها التاريخ.
■ ■ ■
الحب هو ما يفسر متابعتك لأداء سفراء العلم، والحنان الأبوي هو ما دفعك لإرسال رفاعة الطهطاوي إماما ومرشدا روحيا يحفظ أبناءك من فتنة التغريب. ومن أين لك أن تعلم أن هذا الإمام الشاب بالذات قد تشرّب حب العلم على يد شيخه حسن العطار الذي اقترب من علماء الحملة الفرنسية وأدرك الهوة الواسعة التي تفصلنا عن الغرب في مجال الحضارة والعلوم. ليلة بعد ليلة، عام بعد عام، والشيخ حسن العطار ينفث في روع تلميذه حب المعرفة بمعناها الكبير. المعرفة: أول ما افترضه الله على عباده،و السبب الذي فضّل الله به الإنسان على ملائكته وأسجدهم له. ديننا الذي بدأ بكلمة" اقرأ"، وقال تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، وصرّح رسوله أن مداد العلماء كدماء الشهداء.
■ ■ ■
كان رفاعة الطهطاوي مشروع (رائد معرفي) قبل أن يخطو خطوة واحدة خارج البلاد. على سطح السفينة تعلم اللغة الفرنسية. في باريس استمات في تحصيل العلوم. وأمام هذه الرغبة الجامحة في التعلّم ضموه إلى البعثة التعليمية، متخصصا في الترجمة؛ وبالفعل أنجز من التراجم ما يضيق بحصره، بالإضافة إلى تحفته المدهشة  "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، والتي كانت شهقة مأخوذ أتيح له أن يرى ويتعجب ويندهشٍ.
■ ■ ■
طهطاوي واحد من هذه الصفوة الممتازة، معلما بالفطرة، مترجما في الطب والهندسة والفنون العسكرية ثم كان إنجازه الأكبر في إنشاء مدرسة الألسن لتعليم اللغات الأجنبية، وإعداد طبقة من المترجمين. خمسة عشر عامًا، ظلت فيها المدرسة منارة للمعرفة حتى عصف بها الحاكم الجديد عباس الأول الذي قام بإغلاقها وأرسله للسودان. الحرب الأزلية بين الأغبياء والأذكياء. طمأنينة الغفلة أمام قلق المعرفة، وركود التخمة أمام وهج العقول.  
■ ■ ■
في النهاية لا يصح إلا الصحيح. مات الوالي الجاهل، وعاد الطهطاوي إلى القاهرة راضيا مرضيا كريما مكرّما، يمارس نشاطه الثقافي رغم شيخوخته في همة لا تعرف التعب وسعادة لا يتذوقها إلا المخلصون.