14 أكتوبر عام 1918: الدولة العثمانية تعلن استسلامها في الحرب العالمية الأولى.
■ ■ ■
صحائف التاريخ أشجار حية، مدادها دماء، وكل سطر فيه حياة كاملة. الخبر الذي تقرأه وأنت ترشف فنجان القهوة كان يقيم الدنيا ويقعدها. استسلام الدولة العثمانية وما ترتب عليه من زوال الخلافة كان فلقا في قلب الإسلام، الكارثة التي لم يتخيل إمكانية حدوثها أحد. مند بدء الإسلام والخلافة قائمة، حتى في انحطاط الدولة العباسية كان الخليفة موجودا وإن لم يملك من أمره شيئا، أيقونة مقدسة. مجرد الدعاء له في خطبة الجمعة يعني أن الدنيا بخير، والإسلام بخير، والمسلمين بخير.صحيح أنهم كغثاء السيل، كحفنة رمال، لكن الخليفة، المغلوب على أمره في معظم الأحوال، كان القبضة التي تمسك بالرمال، فلما قطعت اليد تبعثر الرمل في كل مكان. استيقظ المسلمون على الخبر، غير قادرين على تصديق الخبر، يتخبطون في التفسير، عاجزين عن التفكير. الخلافة كانت بالنسبة لهم من بديهيات الكون، والكون قد تلخبط حاله، وانقلب مآله. قانون الجاذبية لم يعد يعمل بكفاءة، ثابت "بلانك" انقلب على رأسه. صار ممكنا أن تسير في الهواء، وتطير في الماء، وتسبح في السماء. الأرض مزلزلة، والعقول مبلبلة، و"الناس سكارى وما هم بسكارى".
■ ■ ■
الأيام دول، والدول تذهب وتجئ. الإمبراطوريات مخلوقات حية: طفولة، فصبا، فعنفوان شباب. فنضج يعقبه الكهولة، فشيخوخة وممات. البداية كانت قبائل تركمانية نزحت غربا تحت ضغط المغول، وأقامت عند شمال الأناضول. في عهد السلطان عثمان الأول وضعوا أقدامهم على أرض البلقان، بعدها توسعوا في البلقان والأناضول كسكين يقطع زبدا. في عهد محمد الفاتح تحققت البشارة النبوية ففتحوا القسطنطينية (عام 1453م) وأنهوا قرونا من التواجد البيزنطي يصل إلى ألف عام.■ ■ ■
■ ■ ■
التاريخ حساء لا يشرب إلا ساخنا وإلا فلا مذاق له على الإطلاق. كان مذاق النصر شهيا ساخنا: توسعوا في آسيا الصغرى حتى سواحل البحر الاسود، تغلبوا على الصرب والبلغار. سيطروا على معظم ما يشكل الوطن العربي الآن باستثناء وسط الجزيرة ومراكش وعُمان بالإضافة إلى وسط آسيا وجنوب شرق أوروبا.
■ ■ ■
ثم جاء عهد الذبول: التراجع فسره المؤرخون تفسيرات شتى: ضعف السلاطين المتأخرين، الأطماع الاستعمارية، المعارك الخاسرة، الانحطاط السياسي والثقافي، سرطان الترف. السبب الحقيقي هو سنة الله في الأرض: لا شيء يبقى على حاله: البدر يعقبه محاق، والليل يتلوه نهار. المد يليه جزر، والجزر يليه مد. كل شيء يتبدل، كل شيء يتغير.
■ ■ ■
انهزم العثمانيون في الحرب العالمية الأولى، تم خلع آخر السلاطين عام 1922 م، وألغى أتاتورك الخلافة." قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير". صدق الله العظيم.
