فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآداب

13 أكتوبر 1988 فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآداب.

■ ■ ■
المصري حتى النخاع، القاهري حد الذوبان. نجيب محفوظ الإنسان، الدمث الرقيق، المهذب المتواضع، الجاد الدءوب الذي عكف على مشروعه الضخم عشر سنوات دون أن ينتبه إليه أحد، يرتاد مقاهي القاهرة القديمة، يعيد رسم خارطة الأدب، يتضوع عطر القباب العريقة والأزقة العتيقة، القاهرة الفاطمية، قلب مصر التاريخي النابض. الإنسان الذي لامس حقيقة الكون، وأدهشه غموض الحياة، وتأرجح بين كل المذاهب بقلب حائر وعقل مستنير. محاولا التوفيق بين الماضي والحاضر، والدين والعلم، باحثا عن الحقيقة الكبرى: علاقة الإنسان بربه، ومكان الإنسان في هذا الكون العجيب. يدق على الجدار الأصم في كل مكان عله يسمع رنينا يشي بموضع الكنز. مستميتا في البحث والتدقيق، متمرغا في التراب شحاذا يلتمس اليقين.
■ ■ ■
نجيب محفوظ، واحد من العباقرة المعدودين في تاريخ الرواية. لغته الكثيفة المدهشة التي تراوحت بين الجزالة والسلاسة، إيقاع الحدث المشوق السريع، ثلاثية الدين والجنس والسياسة، المحاور التي عزفت عليها رواياته الكبرى، فكان لحنا بديعا مشجيا، وفي المقدمة منها- في العمق العميق- علاقة الإنسان بربه، ومحاولة التوفيق بين التفكير العلمي واليقين الديني.
■ ■ ■
في ثلاثيته الشهيرة كان كمال عبد الجواد حائرا يشاركنا في حيرته، الشاب الذي تعرض لزلزلة عقائدية عنيفة بعد دراسته الفلسفة مع انتشار الأفكار الإلحادية في حقبة الثلاثينيات حينما كان وعي نجيب محفوظ آخذا في التشكل، عذاب أليم حاول أن يتجاوزه في  رواية " القاهرة الجديدة" بأبطالها الثلاثة: مأمون المتدين الثابت على مبادئه، وعلى طه الملحد الشريف!!، ثم محجوب عبد الدايم الديوث الخبيث، وكان المعنى المضمر في الرواية أنه لا يهم موقفك من الإيمان طالما كنت متمسكا بالأخلاق.
■ ■ ■
وانفجرت رواية ( أولاد حارتنا) حينما تخلى عن الرمز لأول – وآخر -  مرة في حياته. كانت صرخة روح تحترق وهي تلتمس اليقين، بعدها تعلم كيف يستخدم الرمز في رواية "الشحاذ" التي تقطر عذابا، يتساءل: هل القلب مجرد مضخة أم وسيلة اتصال بالملأ الأعلى!. في رواية "الطريق" استخدم  رمز الأب في التعبير عن القوة الخالقة المهيمنة، صابر الرحيمي الذي يبحث عن أبيه الغائب، ويستميت في البحث عنه لأنه سبيل ( الحرية والكرامة والسلام )، إنه واثق من وجوده، لكنه لا يعرف كيفية الوصول إليه.
■ ■ ■
في رواية (اللص والكلاب ) بدأ يطرق عالم الصوفية الزاخر المليء بأسرار الروح يرمز إليه الشيخ الصوفي الممتلئ بالرضا واليقين. ثم يحدث انقلاب مع أروع  رواياته " ليالي آلف ليلة" تمهد لمرحلة جديدة وصفها بقوله : " لقد آمن القلب فجرّ العقل وراءه ". هنا تنتهي الحيرة ويبدأ اليقين. ويكون مسك الختام بروايته الأخيرة "رحلات بن فطومة" التي تؤرخ لعودته الحميمة إلى الدين والإسلام.

■ ■ ■
كانت رحلة طويلة منهكة يا شيخنا الجليل ولكنها انتهت – بحمد ربنا- بسلام.