إعدام ماري أنطوانيت

16 أكتوبر عام 1793: إعدام ماري أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر بتهمة الخيانة.
■ ■ ■
" إذا أقبلت الدنيا على إنسان أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه"، عبارة قديمة حكيمة مدهشة، تنطبق أول على ما تنطبق على ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا التي كان يخطب ودها النبلاء ويهتف بحياتها الشعب حملّوها أخطاء لم تقترفها، وأشاعوا أنها جاسوسة للنمسا، ورووا عنها الأخبار الكاذبة.

■ ■ ■
ماري انطوانيت، ضحية التقلبات الاجتماعية العنيفة، والتطور الطبقي الذي أفرزه عصر التنوير بمفكريه الذين ساهموا في اندلاعها، بانتقادهم الحكم المطلق المستند إلى الحق الإلهي، واستحواذ الملك والنبلاء على الثروة في مقابل فلاحين يعانون من ثقل الضرائب وأعمال السخرة.

■ ■ ■
لم يمكن ممكنا لشعب أن يتحمل طغيان الحكم المطلق إلى الأبد. ثمة حدود للاحتمال البشري، بعده يتحول الغضب لبركان. ماري أنطوانيت دفعت تبعة هذا العصر المتقلب، سليلة العز والأبهة، أصغر بنات ملكة النمسا التي تزوجت- وهي في الرابعة عشر- من لويس السادس عشر الذي كان في الخامسة عشر. فتاة شابة عارمة الحيوية، يشغلها ما يشغل ذهن أترابها من لهو وفراغ، وحفلات صيد وفساتين سهرة، ولم يكن من الإنصاف أن تطالبها بغير ذلك، ولا كان تكوينها النفسي يسمح إلا بهذا.

■ ■ ■
جميلة وذكية ومتهورة، ملَّت حياة البلاط بما يكتنفه من شكليات ومؤامرات، مصدومة في زوجها الخامل المترهل. لم يشبعها كأنثى ولا احتواها كامرأة. الأنثى داخلها ظلت في عطش مزمن إلى حنان يرويها ورجولة تحتويها. والزوج الذي كان يعلم أنه غير قادر على ممارسة دوره كرجل، ولا سلطته كملك أرخى لها الحبل على الغارب، غير أن معدنها الجيد عصمها من الخيانة، فلم يعد ما يستنفذ حيويتها سوى المغامرات البريئة والحفلات الفاخرة.
■ ■ ■
الأمور ساءت بالتدريج: توالي المحاصيل السيئة أدى إلى المجاعة والبطالة، وانتفاضات متتالية توجت بثورة باريس عام 1789م. الثوار أنفسهم لم يتصوروا إمكانية إلغاء الملكية لكن فراغ القوة وتوالي الانتصارات أغراهم بالمزيد. الملك الرخو لا يملك الثقة، والفتاة اللاهية وجدت نفسها مسئولة عن إنقاذ العرش. المؤسف أنها لم تكن معدة لذلك فقد كان ينقصها التعليم الجيد والنفس الوثابة، لكن المحن المتتالية أبرزت أفضل ما في نفسها وأعادت تشكيلها من جديد. وبكل ما أوتيت من حيلة حاولت إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن الأمور المتأزمة وصلت إلى حافة اللا عودة، وبدا واضحا أن الأمور ذاهبة إلى نهايتها المحتومة.
■ ■ ■
في 16 أكتوبر 1793 م أعدمت إنطوانيت بعد أن اقتيدت في عربة مكشوفة دارت بها في شوارع باريس حيث رماها الغوغائيين بالأوساخ وكل ما يقع تحت يدهم، ثم وضعوا عنقها تحت المقصلة، لتطيح السكين الحادة برأسها الجميل في السلة الجانبية.