بيبرس يقتل قطز

24 أكتوبر 1260 ميلاديه: بيبرس يقتل قطز ويعلن نفسه سلطانا.
■ ■ ■
إذا كنت تبتغي عندي الحكمة فدعني أصارحك أنني لا أملك شيئا منها على الإطلاق. أنا طفل يقف على شاطئ الحياة، عاجز عن فك غموض الكون، أو فهم ذلك الكائن المحير الذي يدعى الإنسان. يقولون أن حياة أجدادنا كانت خيرا وبركة، فهل كانت كذلك يوم نُحر الحسين!، أم حين استباحوا المدينة واغتصبوا بنات الأنصار!!، أم حين تقاتل المماليك فقتلوا ربع سكان القاهرة في ليلة واحدة!!. أم أن أجدادنا كأحفادنا، فيهم الوادعون والسفاحون، المسالمون والمقتحمون، الأتقياء والأشقياء.
■ ■ ■
وإذا اختلط السواد بالبياض والخير بالشر، فماذا يكون موقفنا منه؟. خذ عندك بيبرس على سبيل المثال. لماذا يا بيبرس قتلت قطز؟، الفارس الذي أنقذ العالم من هول التتار!. قطز الذي بكى حين تخاذل المماليك، واستثار الهمة واستنفر الشعب حين قرر الذهاب وحده لحرب التتار. قطز الذي احتفى بك وأعطاك الوزارة وهو يعلم مقتك له وحقدك عليه،أعطاك لأنه يعلم أنك أسد في إهاب رجل، فأراد أن يدفع بك التتار وينفع بك الإسلام. لكنك نسيت الفضل، وتذكرت الحقد، فهان عليك أن تستدرجه، وتتظاهر أنك تقبل يده، ثم تعلوه بالسيف وتجهز عليه!!.
■ ■ ■
ألم يلسعك سيفك كجمرة؟، ويلدغك قلبك كحية، وجثة صديقك أمامه، وذكرياتكما المشتركة خلفك؟. أم أن تكوينك النفسي يختلف منذ كنت رقيقا يستعبد في عصر مضطرب لا يقيم وزنا للحياة البشرية: من يستيقظ أولا يقتل السلطان ويجلس على كرسي الملك!، خلال عشرة أعوام تعاقب على عرش مصر ستة حكام، والباقي يتنازعون عليه!.
■ ■ ■
كيف نكرهك وأعمالك العظيمة تشفع لك!!. المغول حاربتهم وقضيت على فلولهم. الأرمن (الذي حالفوا المغول) أدبتهم فلم تقم لهم قائمة. الصليبيون ذاقوا الويل على يديك حتى توسلوا أن تقبل الصلح وتأخذ نصف غلات البلاد. رممت القلاع وحصنت الثغور، وجعلت للمسلمين كرامة.
■ ■ ■
من يحل لنا هذا التناقض: بيبرس -الذي غدر بقطز- أكرم العلماء وسكت على مخاشنتهم في النصح وبوسعه أن يبطش بهم. أنشأ نهضة معمارية ما زلنا نعاين آثارها : جدّد الجامع الأزهر، أعاد الدراسة فيه وملأ المكتبات بالكتب، أنشأ الجسور والقناطر ومقياس النيل، حفر الترع والخلجان، نظّم البريد وخصص له الخيل، كافح الخمر والفساد.
■ ■ ■
حيرتنا يا بيبرس: ابيض أم أسود؟، بطل أم سفاح؟، نحبك أم نكرهك؟، أم يوجد مقياس للخير والشر غير الذي نعرفه؟. أسئلة لا أعرف إجابتها، وحيرة أصدّرها إليك، ولعلّك الآن -عزيزي القارئ - تقول: ليتني لم اقرأ هذا المقال.