معركة العلمين

23 أكتوبر عام 1942–  معركة العلمين.
■ ■ ■
هل تحب مثلي أفلام الحرب العالمية الثانية؟: السيارات العسكرية المفتوحة، خطوة الأوز الشهيرة، والضباط النازيين المتخشبين. هتلر بشاربه اللطيف والكاريزما التي تشع منه، أجواء التعصب والحماسة: ألمانيا فوق الجميع.
هلم معي إلى العلمين، إلى الصحراء الغربية، وبحار الرمال اللا نهائية. البحر المترامي والواحات المتفرقة، وسكان الواحات يرمقون في دهشة الصحراء التي ازدحمت بالسيارات العسكرية وكأنها ميدان العتبة أو شارع رمسيس.
البدويات يرمقن الجنود الشقر في فضول، والبدو يتساءلون عما جرى للدنيا، عاش أجدادهم وأجداد أجدادهم ينعمون بالفراغ اللا نهائي والسلام المحيط. يرعون أغنامهم، يحلبون شاتهم، يغزلون صوفهم، ينفقون الليالي في السمر، والنجوم شاهدة، وأمواج البحر تتكسر على الشاطئ بصوت لطيف.
لم يعلموا أنهم يدفعون ثمن حروب لا شأن لهم بها. بريطانيا  التي أذلت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ألمانيا التي تريد أن تنتقم، يزرعون أرضنا بالألغام ثم يتركوننا ويرحلون.  
■ ■ ■
معركة العلمين كانت بداية النهاية لهتلر، نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية. قوات التحالف أمام قوات المحور، ومونتجمري في مواجهة روميل الذي حولته انتصاراته المتعاقبة إلى أسطورة. ليال طوال أمضاها مونتجمري يتأمل صورته التي وضعها على الحائط  متفرّسا في ملامحه، محاولا أن ينفذ إلى روحه من خلال عينيه. يناجيه، يحدثه، يغضب عليه، يعاتبه، مشاعر عجيبة متضاربة بين الكراهية والإعجاب. كانت مهمته الأولى أن ينزع الرهبة من داخل نفسه أولا من روميل الرهيب، بعدها يزرع الثقة في قلوب جنوده بإمكانية النصر. المعركة تحسم قبل أن تطلق طلقة واحدة. مجرد إيمانك بحقك في النصر يجلب لك النصر.
■ ■ ■
روميل كان يخوض حربا ضد أقداره، وظروف غير مواتية: مشكلة نقص الوقود، طرق إمدادات طويلة معرضة للقصف، خطوط قتال طالت أكثر مما ينبغي، جيش أنهكته الحروب، مهابة هتلر التي تمنعهم من معارضة قرارات خاطئة، في مقابل تفوق بريطاني واضح في العدة والعدد، في بلاد صديقة وطرق إمدادات قصيرة وآمنة.
■ ■ ■
الحرب بدأت بتمهيد مدفعي أعقبه الهجوم. بعدها بيومين وصل رومل إلى الجبهة ليقود قوات المحور في معركة محسومة النتيجة سلفا. بخبرته العسكرية أدرك أن الانسحاب هو الحل الوحيد. مطاردة طويلة ومنهكة لفلول المحور استمرت على رمال الصحراء حتى تونس، وفيها كانت آخر المعارك الحاسمة ونهاية وجود قوات المحور في إفريقيا.
■ ■ ■
أعوام تعاقبت ورحل الجميع. وبقيت الصحراوات اللا نهائية شاهدا على عبث الصراع البشري، والبدو يواصلون حياة أجدادهم: يرعون أغنامهم، يحلبون شاتهم، يغزلون صوفهم، ينفقون الليالي في السمر، والنجوم شاهدة، وأمواج البحر تتكسر على الشاطئ بصوت لطيف.