تأسيس الحزب الوطني المصري

22 أكتوبر عام 1907 الإعلان عن تأسيس الحزب الوطني المصري برئاسة مصطفى كامل.
■ ■ ■
انظر إليه، تأمله. ذب فيه، تقمّصه. لاحظ جبهته النبيلة، وعينيه اللتين تشعان ودا، صفاء ملامحه، وذلك النبل الكائن في قسماته. وجهه المستطيل كحزن طويل، شاربه المتوج بثقل المسئولية، نظرة الجد في عينيه تتجاوز عمره الغض، وشبابه المبكر. تتجاوز الحاضر والزمن، وتحلم بمستقبل أفضل لهذا الوطن.
■ ■ ■
حقا، لم نعد نقابل أمثال هؤلاء الرجال!!. مصطفى كامل، عاشق مصر المتيم، الذي دوخه عشق النيل وبلادنا السمراء. مصطفى كامل الذي طاف أوربا شاعرا يتغنى بمحبوبته، زعيما يقود أمته، جنديا في معركة لا تنتهي، أسس الحزب الوطني وجريدة المؤيد، ونادى بالوطنية المصرية الخالصة في إطار العالم الإسلامي الكبير.
■ ■ ■
نشأته نشأة جد وكفاح، وإحساس بالمسئولية وتقدير للتبعة،مناضلا بالفطرة، عاشقا للحرية، مصطدما بكل سلطة دون أن يخاف أو يهتز جنانه. رجل وهو طفل، وبطل وهو رجل. ملهما لآمال شعب أدرك بفطرته أنه زعيم الوطنية. يكفي أن تنظر إلى صورته ليدق قلبك ويكتنفك الشجن. بلادك التي تحبها رغم ما فعلته بك. يتردد داخلك – دون أن تدري- ذلك اللحن الرخيم: "بلادي..بلادي..لك حبي وفؤادي"..أشعار منثورة حفظتها ذاكرة الوطن. حفظتها لأنها مست شيئا فيها، لأنها تعلم بالفطرة أنه صادق في دعواه. ذاكرة الوطن لا تخطئ أبدا. تلفظ المدّعين والطغاة الصغار ولا تنسى عشاقها الكبار.
■ ■ ■
كان عمره قصيرا ولكن متى كان العمر بالسنين.!! أربعة وثلاثون عاما وهبها بالكامل لوطنه منذ أن كان تلميذا في المدرسة الخديوية فأسس جمعية أدبية وطنية، في مدرسة الحقوق تعرّف على شخصيات وطنية وأدبية كإسماعيل صبري وجبران خليل وميشيل تكلا .ثم ذهب إلى فرنسا ليكمل دراسته ويدافع عن حقوق بلاده منددا بالاستعمار. بعد عودته إلى مصر سطع نجمه في سماء الصحافة خصوصا مع هجوم الصحافة البريطانية عليه.
■ ■ ■
علامة العشق أن تفعل الشيء لأنك تحبه وليس لأنك ترجو ثوابه. حينما تأسست لجنة لتكريمه وأعلنوا الاكتتاب العام للاحتفال به وإهدائه هدية قيّمة اعترافا بدوره الوطني في مقاومة المحتل، وتقديرا لدوره الكبير في فضح وحشية الإنجليز في مذبحة دنشواي. ببساطة رفض التكريم لأن ما قام به واجب وطني لا يصح أن يُكافأ عليه !!، وأصر أن تدعو نفس هذه اللجنة الأمة المصرية إلى التبرع لتأسيس الجامعة الأهلية ليتعلم فيها  الفقراء والأغنياء. مصطفى كامل فعل هذا بمحض أرادته فهل عرفتم الآن لماذا لم نعد نرى أمثال هؤلاء الرجال؟.