تراجع نابوليون بونابرت عن موسكو

19 أكتوبر 1812 : تراجع نابوليون بونابرت عن موسكو بعد أن تعذر عليه احتلالها.
■ ■ ■
بين الحلم والأسطورة تناثرت الدماء. الحلم: فتوحات الإسكندر الأكبر تلهم الضابط الكورسيكي نابليون بونابرت، والأسطورة: موسكو المدينة الذهبية القابعة فوق السحاب.
■ ■ ■
موسكو: مدينة المتناقضات: برد الشوارع ودفء القصور، عربات الحوذية ومواكب السادة، المراقص الحالمة والضائعين بلا وصول. مدينة المترفين ومدينة الجائعين. موسكو، كم لك من وجوه يا موسكو!.
■ ■ ■
مدينة الحكايات القابعة في شمال العالم، لم تكن تعلم بما تخبئه لها الأقدار من جيش القمصان الزرق، جنود نابليون، يتجمعون عند الأبواب، يقودهم قائد كورسيكي، مسكون بالحلم، مفتون بالسيطرة، مفعم بتاريخ الإسكندر، يسابق الزمن من أجل أن يسبقه في مضمار الفتوح. الإسكندر الأكبر الذي طوّف العالم من شرقه لغربه، وملك أطراف الكرة الأرضية. سباق مجنون بين ضابط مفتون وشبح قادم من العالم الآخر وكتب الحكايات.
■ ■ ■
المضمار كان يمر بكهف الدب الروسي النائم، ولو كان يعلم ما تصنعه الدببة الجريحة  لتركها في سباتها العميق!!. روسيا قدره وقبره، روسيا ضحيته ونهايته.
■ ■ ■
عشرون عاما كانت كل عمره حينما قامت الثورة الفرنسية بكل ما اكتنفها من دماء وشعارات. حينما أسترد مدينة تولون من البريطانيين تحول إلى بطل قومي. بعدها قاده طموحه إلى مصر: بوابة الشرق التاريخية ومفتاحها المسحور. بعدهاعاد لينصب نفسه إمبراطورا على فرنسا، ومن يومها والحياة كر وفر، ومعارك طاحنة مع إمبراطوريات عجوز تستميت في وأد الحلم الفرنسي خوفا من امتداد الحلم إلى الممالك المجاورة.
■ ■ ■
تقريبا حارب كل أوربا. وكما يحدث في كل الحروب، البسطاء يدفعون الثمن: الكباري المهدمة والقرى المحروقة والدخان يحجب مزارع الفلاحين المهجورة، وحلم الإسكندر القابع داخله لا يعبأ بالضحايا.  في ربيع 1812 نشبت الحرب بين فرنسا وروسيا. قصف المدافع وانهمار الرصاص. وحرائق مشتعلة في مكان. وحوار صامت لم يسمعه أحد بين القائد الكورسيكي وروح الإسكندر المرفرفة دائما حول ميادين القتال. الانسحاب تم بسرعة، والطريق إلى موسكو مفتوح مثل جرح قديم. يتقدم جيش القمصان الزرق يسبقه جواد نابليون. أخيرا موسكو، العاصمة المتكبر تحت أقدامي!.
■ ■ ■
والذي لم يكن يعلمه أن موسكو هجرها الحب حين هجرها الناس. موسكو احترقت تماما ونهب كل شيء، البوابات مفتوحة على الضياع. دروس كثيرة سيتعلمها نابليون فيما بعد: شتاء روسيا يحارب معها ويفني الجميع. خمسة وعشرون ألف جنديا فرنسيا سيموتون في ارض غريبة باردة معادية، تلك كانت بداية النهاية. نهاية حلم ونهاية طموح. وتبقى موسكو مدينة الحكايات يرفرف حولها روح الإسكندر ساخرا متعجبا من غباء الجميع.