المفتش كالاهان

«كلينت أستود» واحد من نجومى المفضلين. وقعت فى غرام شخصية «المخبر كالاهان» التى ظهرت لأول مرة فى فيلم «هارى القذر» عام ١٩٧١، وحققت نجاحا ساحقا أغرى بالمزيد من الأفلام عن الشخصية نفسها.
«المفتش كالاهان»، النحيف جدا، الفارع القامة، الغامض الذى لا تعرف فيما يفكر. والرزين الذى لا يمكن إغواؤه أبدا، برغم أن النساء يلاحقنه أينما ذهب. كقاعدة لا همّ للحسناوات سوى ملاحقة كلينت أستود.
من الطريف أن كلينت أستود يخرج ببساطة الأفلام التى يجعل نفسه فيها رائعا وغامضا ومعشوقا للحسناوات. شغل المعلم لنفسه كما يُقال. هذا فيلمه وهو حرّ فيه.
■ ■ ■
«المفتش كالاهان» ماهر فى تسديد الطلقات، إلى حد يكفى أن يطلق على الخصم رصاصة واحدة. وهو يتمتع بثبات انفعالى عجيب! خذ عندك مثلا هذا الموقف الطريف: تسرق العصابة البنك فى اللحظة التى يتناول فيها شطائر الصباح فى الحانة المقابلة للبنك. «المفتش كالاهان» يلاحظ وقوف سيارة مريبة أمام البنك، فيطلب من النادل أن يبلغ الشرطة بحدوث سرقة فى البنك، آملا أن تتأخر العصابة فى الخروج حين يكمل فطوره. لكن العصابات قليلو الذوق كما تعلمون ولا يتمتعون باللياقة اللازمة كى يؤجلوا خروجهم من البنك حتى ينتهى كالاهان الجائع من استكمال فطوره. لذلك يضطر إلى الخروج، حاملا معه شطائره، ليطلق أربع رصاصات بالعدد على أربعة لصوص، وهو يقضم الشطائر فى استمتاع، ثم يعود للحانة بنفس هدوئه المعتاد ليشرب النسكافيه!
هل أدركتم الآن لماذا أحب كلينت أستود؟
■ ■ ■
المفتش كالاهان حازم بطريقته. وينفذ العدالة بطريقته الخاصة، حتى وإن لم تكن قانونية. بعبارة أخرى هو «الفتوة العادل»، أو «الديكتاتور الأمين».
ولعله أدهشكم- كما أدهشنى- عدد الأفلام الأمريكية التى يدور خيطها الرئيسى حول عجز القانون عن الإيقاع بالمجرمين نتيجة للإجراءات، فيقوم البطل بتنفيذ عدالته الخاصة. طبعا هذه مشاكل لا نعرفها فى مصر، حيث يتم ضرب المتهم حتى يصبح مستعدا للاعتراف بقتل إخناتون. لكن فى الكوكب الآخر، الذى يُدعى الغرب، ذلك الكوكب الأنيق البارد الذى يقع فى مجرة نائية، يحرمون الشرطة من ذلك الفعل الممتع، وبالتالى يفلت السفاحون ومعتادو الإجرام.
لكن فى النهاية لا يصح إلا الصحيح. ينبغى أن نتذكر دائمًا أن هذه الإجراءات التى تكفل حقوق المتهم هى الضمان لكل واحد فينا ألا يجد نفسه فى هذا الموقف العصيب. عندنا مثلا مدوا قانون الحبس الاحتياطى بجرة قلم، فماذا كانت النتيجة سوى أنه صار عقوبة فى ذاتها، وصار المتهمون يُجدد حبسهم بلا نهاية؟! لذلك فإن الشعوب الأوروبية المتحضرة، والتى تتمتع بعقلية نقدية تشرّبتها من مناهج التعليم المتقدمة، لا تأكل «الأونطة» مثل شعوبنا التى يسهل خداعها، بشعارات من قبيل «لا تكلمنى عن حقوق الإنسان طالما تعرض أمن الوطن للخطر». مع أنه لا شىء يعرض أمن الوطن للخطر مثل انتهاك حقوق الإنسان.
■ ■ ■
«المفتش كالاهان» لا يحظى بالمديح أبدًا من رؤسائه الذين يلومونه دائمًا على الفوضى التى يحدثها، برغم أنه يعرّض نفسه للموت فى كل لحظة. بينما يحتمى رؤساؤه خلف مكاتبهم المكيفة. حتى الصحافة دائما ما تشتمه! ويبدو أن الدنيا غير عادلة فى كل مكان.
هل فهمتم الآن لماذا أُغرمت بهذه الشخصية الفاتنة؟ «المفتش كالاهان» هو حلم الضعفاء الدائم بالقوى الذى يحقق لهم العدالة. فمتى نرى المفتش كالاهان يسير بيننا، يردع الظالم ويرد الحق للمظلوم؟