قصص قصيرة

هذه القصص الجميلة للسفير "فوزي العشماوي" الذي أجده متألقا في كل ما يكتب، سواء نصوصا أدبية أو تحليلا سياسيا.
......................
الميزان
رأيتني منتظما في طابور لا تكاد تري اوله من آخره، الكل يتصبب عرقا في المشهد العظيم. كل من ورائي او خلفي يحملون صناديق كبيرة، ثقلها واضح من حركتهم البطيئة، وجدتني الوحيد بدون صندوق في وسطهم، سألت الواقف خلفي عن الصندوق الذي يحمله، نظر الي باستغراب شديد وقال: هذه صحائف اعمالنا.
استبد بي القلق وتملكني الخوف، فكرت مليا في مغادرة الطابور للبحث عن صندوقي، دفعني الواقفون خلفي الي الأمام حتي وجدت نفسي وجها الي وجه مع حاجب المكان، تطلع الي باستغراب ودهشة حينما وجدني خالي الوفاض. غاصت روحي وكاد يغمي علي من فرط الرهبة، اشار الحاجب لي أن أهدأ وأخرج جهازا صغيرا وجهه الي صدري ناحية القلب، أصدر الجهاز وميضا أخضر، تبسم الحاجب في ود وحنان وسمح لي بالمرور الي الجانب الاخر. وأنا ادلف فرحا للضياء والرحمة مال علي الحاجب قائلا: نحن لا نعتد الا بالقلوب ولكنهم يحبون الصناديق، لم نشهد قط تعارضا بينهما فلا تثريب عليك.
...........
المشيئة
رأيتني واقفا في حضرته ، مستأنفا لقرار المولد واعباء الحياة ، وفراق الأحبة وسكرات الموت .. أطلعني حانيا علي البديلين : أن لاأكون ثَم هناك من الأبد ، أو أن أظل خالدا هنا الي الابد .. استعرضت الأمرين مليا ، ووجدتني أهتف راضيا : فلتكن إذن مشيئتك .
.............
حياة زوجية

أصابها الملل، رغبت في بعض الاثارة والتجديد، حياتها الزوجية اصابها الخرس وجرفتها البرودة والصقيع، خاصة في ظل عدم وجود الابناء، تمنت ان تعيش حياة جديدة، تركت عملها مؤخرا في اجازة مفتوحة، لا يحتاجون اليها الآن، بعد سنين صعدت فيها حتى درجة مدير عام. ماذا تفعل؟ ابتكرت لنفسها حسابا جديدا علي الفيس بوك، حسابها القديم يعرفه الكل، تريد ان تعيش المغامرة وروح الاثارة، سئمت من ذات الاحاديث ونفس المعارك، نفس المجاملات المتكررة والتظاهر الاجوف، وضعت علي الحساب صورة ممثلتها التركية الاثيرة، احبتها من خلال عديد المسلسلات التي شاهدتها لها، اصبحت اقرب اليها من الجميع، بعد قليل اقترح لها مارك بعض الاصدقاء، وجدت معظمهم من نفس دائرة المعارف، عمل واسرة واصدقاء ، عفريت هو مارك واعوانه، يفلترون كل شيء في حياتك، عيونهم لا تنام، من رقم تليفونك يقترحون عليك عشرات الأصدقاء. لفت نظرها بين الاصدقاء المقترحين زوجها، لم تدخل صفحته منذ فترة، وجدت انه غير صورته التقليدية بالبذلة والكراڤت لصورة أخرى قديمة يبدو فيها أكثر صِبا وشبابا، قميص مشمر عن سواعده وشعر اسود يغطي كامل الرأس وبنطلون جينز. كم اعجبتها هذه الصورة، وكم فتنته طلته فيها، ترددت قليلا ثم حسمت امرها، ارسلت له طلب صداقة، لم تمض ساعة حتى كانت الاستجابة بالقبول، ارسل لها وردة ردت بوردة. استفسر منها عن شخصيتها اختلقت له اكذوبة متماسكة، سألها وسألته. أعجب بحديثها واعجبت بحديثه، قضيا معا ساعات في دردشات بريئة، وهم علي بعد امتار من بعضهم البعض. بعد عدة محادثات تجرأت وسألته عن حالته الاجتماعية، قال لها إنه أرمل، شكرها على اخراجه من حزنه وانغلاقه. سألها: وأنت؟ ردت بأنها مطلقة حديثا. طلب لقاءها. اجابته بأنها تحتاج مهلة للتفكير.
وما زالت تفكر....