لماذا اصطفاه ربه بالرسالة؟

أجمل ما يعجبنى فى الإسلام هو توارى شخصية الرسول ليسطع الوجود الإلهى. فلم يزل القرآن يؤكد على عبودية الرسول، بحيث لا تختلط الصفات الإلهية بالصفات البشرية (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَىَّ).
وانظر لقوله تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) فوضح لنا أن وظيفة الرسول لا تعدو البلاغ قط.
وبرغم أن الرسول له شفاعة مقبولة عند ربه فـ (إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ).
ومصير الرسول مرتبط بأدائه مهمته (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا. إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا).
وهذه القدرة الإلهية على الجميع (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا).
■ ■ ■
ولم يحرص الرسول على شىء أكثر من تأكيده أنه عبد الله ورسوله، وأنه لا يملك أى صفات إلهية. لقد أمر أصحابه ألا يبالغوا فى إطرائه حتى لا يؤله!، ودعا ربه ألّا يجعل قبره وثنا يُعبد. وقال لأعرابى اعترته رجفة حين شاهده لأول مرة: «هون عليك فإنى ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة». وعندما فتح مكة التى طالما آذته وحاربته لم يداخله زهو الفاتحين، وإنما دخلها ساجدا على بعيره، فى سابقة لم تتكرر- تواضعا لله وعبودية له.
وإنه ليؤكد لأصحابه المرة بعد المرة أنه لا يعلم الغيب إلا ما أخبره الله به، تفلّت بعير له فطلب من أصحابه البحث عنه، قال أحدهم (يزعم أنه يأتيه خبر السماء ولا يعرف مكان بعيره) فقال (إنى لا أعلم إلا ما أعلمنى الله به، واذهبوا إلى مكان كذا ستجدون البعير).
وإنه لا يعلم ماذا يفعل الله به ولا بهم. سمع امرأة صحابى تقول بعد موته: «هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله» فقال لها: «ومن أدراك أن الله أكرمه؟!، قولى أرجو الله أن يكرمه. وأنا نبى مرسل لا أدرى ما يفعل بى ولا بكم».
■ ■ ■
رسول بمرتبة عبد لله، وتلك -لعمرى- أكرم المنازل. لقد بلغ ذروة التكريم بمنزلة العبد (سبحان الذى أسرى بعبده).
وإنه ليشمر عن ساعد الجد، فيقول لعائشة (وَإِنِّى وَاللَّهِ مَا بُدٌّ لِى مِنْ طَاعَتِه). وإنه لا يمن على الله بعبادته، ولا بتورم ساقيه من طول القيام لله، فكل مناه أن يقبل عبادته. حين رفع مناجاته بعد إيذاء أهل الطائف لم يكن يرجو سوى ألّا يغضب الله عليه!.
■ ■ ■
فى يقينى أن الذى جعل رسولنا محمداً (ص) المصطفى بالرسالة أنه كان أكثر البشر على الإطلاق عبودية لله وتذللا له.