أرجوك لا تتركني

" هل تسمعني؟ أتمنى أن تسمعني؟ إنني أصرخ بكل كياني: أرجوك لا تتركني".
.............
خرج من منزله. ألقى على سيارته النظرة الأخيرة. حمراء، بها بعض الصدمات والخدوش القديمة. لكنها رغم ذلك عزيزة صابرة باسلة. جلس على المقعد الأمامي. وضع الحقيبة المنتفخة بالنقود على المقعد المجاور. ضبط وضع المرآة، ثم أدار المفتاح برفق فعادت للحياة. سمع صوتها الذي ألفه لخمس سنوات مضت. يعرف كل شيء عن هذه السيارة. أذنه حساسة لأي صوت جديد. قدمه تعرف اللمسة المطلوبة بالضبط كي تسرع أو تبطئ أو تقف. يقودها بألفة صديق قديم يعرف كل شيء بمجرد النظر إلى عيون صديقه.
تحرك بالسيارة في بطء وهو يفكر. حتى الأمس لم يكن ينوي بيعها. كل ما هنالك أنه ذهب مع صديقه ليشاهدا سيارة جديدة. شاهدها في المعرض الأنيق جديدة، رشيقة، لامعة. لماذا يفكر في السيارة وكأنها امرأة!. ابتسم في سره وهو يلاحظ لأول مرة أن الناس كثيرا ما يتحدثون عن السيارات وكأنها نساء. الأنها رفيقة درب وشريكة الحياة!. تحسس مقود السيارة في تحنان وكأنه يُملّس على شعر امرأة.
...............
" أحاول أن أخرج من صمت الذرات. من سجن الهيكل المعدني. أعرف أنك لن تسمعني بأذنيك. ولكن لو أصغيت بأذن الروح لربما سمعتني. أرجوك لا تتركني".
..............
مسح بعينه أرجاء السيارة من الداخل. يهتم كثيرا بأناقة سيارته. برغم أنه غير مُرتّب في منزله على الإطلاق، ويثير الفوضى أينما حل. إلا إنه يحب أن يرى سيارته من الداخل نظيفة، مغسولة، معطرة، منعشة. ضحك بصوت عال وهو يفكر: لم لا؟، أليست امرأة؟. يمكنه تفسير انقباضه الآن على هذا الضوء. أحيانا لا يفهم نفسه. كان بالأمس متحمسا لشراء السيارة الجديدة. خصوصا حينما أبدى صديقه رغبته في شراء هذه السيارة. حسبها في ذهنه فوجد أنه يستطيع تدبير الفارق. قال إنها جميلة ولامعة ورائعة!. امرأة جديدة يلقي بنفسه في أحضانها. لكن حين جدّ الجد وأعدّ النقود وذهب لينجز البيع أحس بكآبة غامضة. بانقباض لا يدري تفسيره. وأحس، لا يعرف كيف، أنه يخونها!.
.................
" لا شيء في الكون ميت أو لا يحس. أنا جماد ولكني أحبك. أحاول أن أنعتق. استجمع قواي الداخلية، جوهر الحب الكامن داخلي. تنقل لك الذبذبات الخفية رسالةً مفادها: أرجوك لا تتركني".
.................
لم يحسب حسابا للحنين. لذكريات قديمة مشتركة، لأماكن ذهبا إليها معا. عجيب فعلا تعلقه بالأشياء القديمة. نفس الانقباض الذي يشعر به كلما ترك شيئا كان يألفه. تستصرخه الأشياء كأنما تستنجد به. وكأنها حية لا ميتة.
..................
توقف بالسيارة فجأة. اتصل بصديقه وأعلنه أنه ألغى البيع. أحس كأن جبلا انزاح عن صدره. وبدون وعي منه، أو حتى يشعر بما يفعل، راحت يده تتحسس تابلوه السيارة في حنان وكأنه يتحسس وجه حبيبته، والعجيب أنه شعر برعشة في يده وكأن السيارة تقبله!.