أرواح حائرة

في تلك الساعات المعدودة – ساعات نومي- تنطلق روحي من أسر جسدي. تهيم كأسراب نحل مشتاق في حدائق مجهولة. تحط على زهور أغلب الظن أنها مشئومة، وإلا فعلام تؤوب كل ليلة بقطافها من العسل المر تملأ به فمي، فأصحو على مذاق الحزن، وأقول في أسف:" إذا كان صباحي يبدأ هكذا فكيف ينتهي؟".
……………
أفكر في أسراب النحل وكيف يهتدي إلى مسكنه رغم المسافات السحيقة وألاعيب الرياح، برغم تشابه الحقول وتعاقب الليل والنهار. لو عرفت السر لأدركت في الوقت ذاته كيف تهتدي الروح إلى جسدي كل صباح.

قلت لعلها تهتدي بوجهي الذي تعرفه..
حلقت شعري وأعفيت لحيتي وصبغت شاربي. في الحق تغير مظهري إلى الحد الذي لم يعد اقرب أصدقائي يعرفني، لو كان لي صديق!.

وخلدت إلى النوم قرير العين آملا أن تضل روحي في التعرف على الجسد الذي تسكنه.
حينما استيقظت على مرارة القطاف في فمي كدأبي كل صباح قلت لعله فاتني تبديل ثيابي، ولعل أسراب النحل شاهدت طلاء المسكن القديم.

وضعت على رأسي الحليق عمامة أفغانية وفوقها قبعة مكسيكية وارتديت جلباباً مغربياً وتنورة اسكتلندية ومعطفا روسيا حتى أن والدي لم يكونا ليتعرفا علي. هذا لو كانا حيين.
وخلدت إلى النوم قرير العين آملاً أن تضل روحي في التعرف على هذا الجسد الذي كانت تسكنه. حينما استيقظت على مرارة القطاف قلت لعل أسراب النحل تهتدي بالرائحة!.

اغتسلت سبع مرات إحداهن بالتراب. ودهنت جسدي بالمسك والعنبر والعود، وقلت أن أحبابي لن يعرفوا رائحتي. هذا لو كان لي حبيب..

وخلدت إلى النوم قرير العين آملا أن تضل روحي في التعرف على هذا الجسد الذي تسكنه. حينما استيقظت على مرارة القطاف في فمي كدأبي كل صباح قلت: لعلها تتبعت ألحزن الذي يسكن عيوني. وضعت نظارة سوداء، وخلدت إلى النوم قرير العين آملا أن تضل روحي في التعرف على هذا الجسد الذي تسكنه.

حينما استيقظت على مرارة القطاف في فمي قلت لعل الروح تتبع ذكرياتي! قلت أشنق ذكرياتي! نصبت آلاف المشانق لجميع الذكريات. ارتديت وشاح القضاء وعرضتهن على سيف الجلاد. وخلدت إلى النوم قرير العين آملا أن تضل روحي في التعرف على هذا الجسد الذي تقطنه.
..........
حينما استيقظت على مرارة القطاف في فمي قلت لعل الروح تتبع ذاتي ....هذا لو كانت لي ذات.
قلت ........
وقلت.........
وقلت........
وما زلت حتى اليوم لا أكف عن الكلام.