شبهات حول العقيدة (3)

ما زلنا مع الشبهات التى أوردها د. حسين الوادعى فى مقاله عن الإلحاد فى الشعوب العربية. تكلمنا سابقاً عن الشر والعدالة الإلهية. وتحدثت أمس عن العبودية والردة. واليوم موعدنا مع باقى الشبهات (الجهاد، الفتوحات، دونية المرأة، اللامساواة بين المسلمين وغيرها).
■ ■ ■
الجهاد: ظل المسلمون طيلة المرحلة المكية مستضعفين، يُعتدى عليهم ولا يردون الاعتداء. وكلما سألوا الرسول الكريم أن يأذن لهم بالرد نهاهم، وقال: لم أؤمر بذلك.
فى العهد المدنى سمح القرآن لهم برد الاعتداء «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ». ثم أخبرنا القرآن الكريم بحيثيات سماحته (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّه).
أظن أنه حتى هذه النقطة لا توجد مشكلة، فقد أجمعت شعوب الأرض على جواز، بل وجوب رد الاعتداء ومقاومته. ومع ذلك لم يأمرهم القرآن بالرد عند أول اعتداء، بل نصحهم بالصبر (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).. فهل هناك ما هو أكثر وداعة وسلما من هذه النصوص؟.
■ ■ ■
ثم ماذا حدث بعد ذلك تاريخيا؟ انتقلت قريش بحربها إلى عقر المدينة، بكل ما يمثل ذلك من خطر الاستئصال. ثم لم تكتف بذلك فحرشت قبائل العرب التى انضمت إليها؟، أيكون عجيبا أن يأمر القرآن أتباعه بقتالهم كافة كما قاتلوا المسلمين كافة؟.
والمعنى أن كل آيات القرآن يجب أن تخصص حسب الظرف الذى نزلت فيه. هنا نأتى لمسألة جوهرية وهى موضوع النسخ فى القرآن، والذى هو فى الحقيقة أخطر مما يبدو لأول وهلة. لأنه يتقاطع مباشرة مع حرية العقيدة وآيات القتال فى القرآن.
■ ■ ■
ما أنا مقتنع به أنه لا يوجد نسخ مطلقاً فى القرآن الكريم. وأن القول بذلك يقع خطؤه على الفقهاء الأوائل. بدايةً مهم جدا أن يعرف القارئ الكريم أن النبى لم يقل- ولو لمرة واحدة- بوجود نسخ فى القرآن الكريم. وربما يفاجئكم أن النسخ (الذى تعتبرونه بديهيا ومفروغا منه) إنما هو بأسره (استنتاج) من الفقهاء.
أما القرآن الكريم فإن معظم استخدامه للفظ (الآية) بمعنى الخارقة المادية (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ). هذا يعطى تفسيرا جديدا لهذه الآية التى استندوا إليها فى تقرير النسخ (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ). فالمقصود بها الآية الكونية وليست آيات القرآن الكريم.
■ ■ ■
موضوع النسخ مهم جداً وما يترتب عليه فادح. لأنهم يزعمون- وحاشا- أن كل آيات حرية العقيدة قد تم نسخها بآيات القتال. هذا غير صحيح بالمرة. كل آيات حرية العقيدة قائمة إلى يوم الدين. أما آيات القتال فمخصصة حسب أحوال المسلمين. لو قاتلنا عدو فقد أجمعت كل شرائع الأرض على وجوب قتاله. هذا ما نص عليه القرآن ولم ينص على أكثر من هذا، اللهم إلا الرحمة عند المقدرة وتقنين ضوابط القتال.
■ ■ ■
بالنسبة للفتوحات، فهى ببساطة تخص تاريخ المسلمين ولا تخص الإسلام. فتاريخ الإسلام انتهى بوفاة الرسول المشرع. فإذا كان خالد بن الوليد- على سبيل المثال- قد ارتكب أخطاء فى غزواته فخطؤه عليه، لأنه لا معصوم إلا النبى فى شرع الإسلام، وبذلك فالفتوحات- بفرض حدوث أخطاء فيها- لا تُحسب على الإسلام، ولا يتخذها عاقل مطية إلى الإلحاد. وإذا دافعنا عن عدالتها، فإننا ندافع عنها باعتبارها تاريخا وليس باعتبارها أصلا من أصول الدين.
■ ■ ■
(نكمل لاحقا إن شاء الله).